وطنا اليوم – قال الوزير الاسبق مروان المعشر في تقييم له لمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في تحليل نشرها معهد كارنيغي تحت عنوان ” الإنتقال الى حياة سياسية حزبية فاعلة يتطلب تلاقي الارادة السياسية والشعبية على الإطار العام”

بعدما تقدمت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بمخرجاتها لجلالة الملك عبدالله الثاني، ستشهد الفترة المقبلة نقاشات محتدمة حول هذه المخرجات بين مؤيد ومعارض. وفي حين ستُركز الكثير من هذه النقاشات على بعض الجزئيات، كعدد مقاعد المسيحيين أو الشركس أو البدو، أو التوزيع الديمغرافي والجغرافي للمقاعد، لا بد من تحديد بعض المعايير الرئيسية والمتعلقة بالإطار الأوسع لهذا التحديث، وذلك حتى يكون تقييم هذه المخرجات أكثر موضوعية ودقة.

هناك ثلاثة معايير أساسية يمكن الاستناد إليها في تقييم مخرجات اللجنة بها لتبيان ما إذا كانت هذه المخرجات تضعنا على أول الطريق الصحيح الذي يؤسس لعملية انتقال جادة ومتدرجة من الوضع القائم نحو وضع أكثر استقراراً وازدهاراً واستدامة.

المعيار الأول ويُمثل في نظري الغاية النهائية من هذه المخرجات. هل تعمل التعديلات المقترحة لقانوني الانتخاب والأحزاب على نقلنا – ولو تدريجياً – من الوضع الراهن لمجلس النواب الذي تُنتخب غالبية أعضاؤه بطريقة فردية وتهيمن السلطة التنفيذية فيه على أعمال السلطة التشريعية، إلى حالة حزبية نيابية بالمعنى الصحيح يُصبح فيها الانتخاب مبنياً على البرامج وليس الأفراد فقط، وحيث تتيح التكتلات الحزبية البرامجية درجة عالية من الاستقلالية في الأعمال التي تتولاها؟ هل يُحقق تطبيق هذه القوانين في نهاية المطاف ما يتطلع اليه عامة الناس من سلطة رقابية أكثر نجاعة تعمل على محاسبة السلطة التنفيذية على أعمالها؟

علينا أن ننتهي من الجدال العقيم حول جاهزية الأحزاب لدينا وضرورة تهيئة الأجواء المناسبة قبل الولوج في الاصلاحات المطلوبة، وأن نُدرك بأن ما من دولة في العالم استطاعت تطوير حياة حزبية برامجية جادة دون الانطلاق من بداية متواضعة تتبلور من خلال الممارسة الفعلية للحياة الحزبية بحلوها ومرها من قبل كافة مكونات المجتمع. بناء على ذلك، وفي حال احترام أجهزة الدولة ومواطنيها مخرجات اللجنة، بصرف النظر عن الجزئيات التي قد يتفق أو لا يتفق عليها الكثيرون، ستُؤدي من خلال الدورات البرلمانية القادمة إلى برلمان يغلب عليه الطابع الحزبي يعمل على تصويب الاختلالات في ادارة الدولة.

المعيار الثاني هو عدالة التمثيل. هل تؤدي مخرجات اللجنة الى شعور كافة مكونات المجتمع بأن مجلس النواب أكثر تمثيلاً لها، وبالتالي هل ستساعد هذه المخرجات في تجسير هوة الثقة الموجودة لدى غالبية المواطنين وشعورهم بأن مجلس النواب لا يحقق مبدأي العدالة والاستقلالية المطلوبين كي يحث المواطنين على الاقبال على صناديق الاقتراع؟

آمل أن لا نحكم على مخرجات اللجنة بالنجاح أو الفشل من منطلق عدد المقاعد المخصصة لفئة أو شريحة معينة من المجتمع سواء من ناحية عقائدية أو عمرية أو جندرية، وأن يتركز النقاش على عدالة التمثيل بمفهومها الأوسع. فالمطلوب وطنياً اليوم عدم التوقف عند هوياتنا الفرعية التي لا تزال تطغى في الكثير من الأحيان على هويتنا الوطنية. فنحن أردنيون قبل كل شيء. في النهاية، فإن تعظيم الهوية الوطنية على أي هويات فرعية ضروري لبناء دولة مؤسسات تتوائم مع تطلعات المواطنين ومتطلبات القرن الحادي والعشرين.

المعيار الثالث، وهو الأهم في نظري، ويكمن في تشكل قناعة مطلقة لا رجعة فيها لدى كافة أذرع الدولة الأردنية بأن كلفة الاصلاح أقل من عدمه. هل اقتنعت كافة أذرع الحكم في الدولة بأن الوضع القائم غير قابل للاستمرار، وأن استقرار وازدهار الأردن المستقبلي يعتمد بالضرورة على تطوير مؤسسات الدولة تطويراً جاداً وحقيقياً بما يُشكل الرافعة الضرورية لمثل هذا الاستقرار والازدهار؟ هل ستصب جهود السلطة التنفيذية في سبيل انجاح تنفيذ مخرجات اللجنة الملكية وعلى مدار العشر سنوات القادمة؟ وعليه، إن لم تكن هذه القناعة متوافرة بأن خلاص الأردن في التغيير وليس بالبقاء حيث نحن، فلن تجدي مخرجات اللجنة الملكية، وسنجد أنفسنا في ذات المربع الذي آلت إليه مخرجات سابقة، من لجنة الميثاق الوطني الى لجنة الأجندة الوطنية الى غيرها من المحاولات الاصلاحية.

ما هي الضمانة الحقيقية لانتقال مؤسسي دون وضع العصي في الدواليب؟ ضمانة جلالة الملك لمخرجات اللجنة غاية في الأهمية، ولا بد أن تُلازمها ضمانات إضافية ستتيحها التعديلات الدستورية للتوصل من خلالها الى نوع من التوافق التشريعي العابر للحكومات، شريطة أن تكون هذه التعديلات قادرة على توفير ضمانات كافية لمنع تكرار التجربة التونسية التي علمتنا أن التوصل لعقد اجتماعي جديد ليس كافياً في بعض الأحيان لضمان عدم التعدي على الدستور.

نعلم أن الطريق نحو الإصلاح طويل، ولا بد له أن يمر بعثرات كثيرة، ليس أقلها مقاومة القوى المضادة للإصلاح والتي نجحت حتى الآن في إعاقة هذه المسيرة. لذا، من الضروري تضافر كافة الجهود الشعبية من أجل تكوين كتلة حرجة لا تكتفي بالتركيز على الجزئيات، على أهميتها، وانما تُشكل رافعة شعبية تسند الأهداف النهائية التي وضعها جلالة الملك وتعظم فرص نجاح تنفيذ هذه المخرجات. رافعة تستطيع أن تتجاوز العراقيل العديدة التي ستواجهها دون أدنى شك في الأشهر والسنوات القادمة، كما تشارك في مساءلة السلطة التنفيذية حول جدية التنفيذ. هكذا نرقى عن الانتماءات الفرعية ونساهم في تقديم خدمة جلية لمستقبل أبنائنا وبناتنا.