الثوابت الأردنية التربوية  والتعليمية في زمن المتغيرات والهويات الفرعية …..(1)

29 سبتمبر 2021
الثوابت الأردنية التربوية  والتعليمية في زمن المتغيرات والهويات الفرعية …..(1)



د. مصطفى التل

في ظل الهوية الوطنية للدولة الأردنية المركزية  , وهي تلك الهوية المركزية للدولة وغير القابلة للتفكيك أو إعادة التشكيل , تظهر لدينا هويات فرعية متداخلة متناحرة  متصادمة , تحاول القفز على حبالٍ قصيرة واهية , في ظل مشهد أصبح مرتبكاً ومتداخلاً , مستغلةً ما يسمى بــ( الإصلاح السياسي)  و (الفراغ الاجتماعي القيمي والتربوي )  والذي تم تأطيره تحت  مسمى (التحولات الاجتماعية ) , والذي هو أيضا أصبح متجاذباً بين هذه الهويات الفرعية .

تظهر مسألة الولاء والانتماء  والمواطنة ومدى تقاربها مع مسائل التطور في زمن العولمة  , والتي مِن المفترض أن تحسمها الدولة المركزية من حيث هويتها الجامعة , والتي تستوعب جميع الهويات الفرعية , ولا تسمح بالوقت نفسه بأن تظهر هذه الهويات الفرعية بصورة الفاعل في هوية الدولة المركزية .


هذا الصعود المفاجئ للهويات الفرعية والمتزاحم في آن واحد , سواء الفكرية أو السياسية  وحتى الاقتصادية منها , سمح لهذه  الهويات الفرعية بالتسلل إلى مراكز الدولة المختلفة , مما سمح لها بالظهور بمظهر المتفرّد  بالمفاصل العامة  للدولة المركزية   في محاولة بائسة في إخفاء  الهوية الوطنية للدولة المركزية , أو على أقل تقدير سمح لهذه الهويات الفرعية بأن تدّعي أنها تمثل الهوية المركزية للدولة الأردنية.

وبطبيعة الحال لا نستطيع فصل السياسة التعليمية عن السياسة العامة للدولة، فهي تشتقّ أهدافها من الأهداف العامة للنظام السياسي القائم.


فميدان التربية والتعليم  في الأردن تأثر بشكل مباشر  بهذه المؤثرات والجدالات والصراعات التي بدأت بالظهور على السطح على هيئة اشتباك مُفتعل بين ثقافة هذا الشعب وعمقه العربي والإسلامي ,  وبين تطوره العلمي والتقني والاقتصادي وحتى السياسي .

هذه الصراعات وهذا الجدال الذي وصل إلى عمق السياسة التعليمية الأردنية وفلسفتها وأهدافها وثوابتها , و محاولة  طرحها للنقاش والرجوع بها إلى عصر ما قبل الدولة , في محاولة لإعادة صياغتها و رسمها بريشة الهويات الفرعية الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية , مستغلة ً ما بات يُعرف بتطوير العملية التربوية والتعليمية في الدولة , في خلط واضح بين الفلسفة التربوية و الأهداف العامة التربوية الأردنية والسياسات التربوية العامة مع  الهوية الفرعية لذلك التيار وهذا الوافد الغريب عن الثقافة الوطنية للمجتمع الأردني .


* الثوابت العامة الأردنية للعملية التربوية والتعليمية :

تتلخص الثوابت الأردنية في العملية التربوية والتعليمية ومصادرها  من خلال قانون التربية والتعليم الأردني وتعديلاته  لعام 1994  , في المادة الثالثة من الفصل الثاني منه , حيث حصرت هذه المادة مصادر الفلسفة التربوية الأردنية نصا  في   ( الدستور الأردني والحضارة العربية الإسلامية ومبادئ الثورة العربية الكبرى والتجربة الوطنية الأردنية) .

وهذا مفاده أن أي فلسفة تربوية تقوم على غير هذه المصادر المنصوص عليها حصرا في هذا القانون هي فلسفة عبثية لاغية لهوية الدولة الأردنية  المركزية, وعليه فإن أي تشويه مقصود أو غير مقصود , أو تحريف أو تبديل , أو تحوير , أو التفاف على هذه المصادر المحصورة نصاً بالقانون هي فلسفة تدميرية , خارجة عن الإطار العام القانوني الأردني لمخالفتها نص القانون الواضح الذي لا يقبل أي اجتهاد  في مورد النص.

وتوضّح المادة القانونية الأردنية تفصيلاً لا يقبل أي تأويل ولا اجتهاد  , أسس  الفلسفة التربوية في الأردن , من خلال الفقرة ( أ) من نفس المادة  بنصها على : (وتتمثل هذه الفلسفة في الأسس التالية :

أ- الأسس الفكرية :

1- الإيمان بالله تعالى .

2- الإيمان بالمثل العليا للأمة العربية .

 3- الإسلام نظام فكري سلوكي يحترم الإنسان ويعلي من مكانة العقل ويحض على العلم والعمل والخلق .

4 – الإسلام نظام قيمي متكامل يوفر القيم والمبادئ  الصالحة التي تشكل ضمير الفرد والجماعة .

5-  العلاقة بين الإسلام والعروبة علاقة عضوية  ) .

وهذا مفاده أن أي ارتكاز فكري لأي منهاج تعليمي في الأردن , يجب أن يتمثل هذه الأسس الفكرية  , بجميع أبعادها , وان يكون شاملاً فكرياً  وتعليميا وتعلّماً لهذه المبادئ الفكرية ومتكاملاً .

فالإيمان بالله تعالى , يستلزم التعليم لجميع ما جاء به  الشرع الحنيف حتى تستقيم مفاهيم الإيمان بالله تعالى كما أنزلها الله تعالى على نبيه محمد  -عليه أفضل الصلاة والسلام – لهذه الغاية الوجودية مِن خَلق الإنسان  , بدون أي التفاف أو تشويه لهذا المبدأ من أي تيار فكري أو هوية فرعية أو تيار إقصائي .

والإيمان بالمثل العليا للأمة العربية والتي هي جزء من الأمة الإسلامية ومرتبطة بها ارتباط عضوي كما نصّت على ذلك نفس الفقرة  , يجب أن تتمثل في جميع المناهج الأردنية , وعلى طريقتها السوية الغير منقوصة , وهذا يُخرجها من تأويل أي تيار فكري معين أو شاذ عن المجتمع الأردني , ويُجبر هذا التيار الذي يمثل هوية فرعية بأن يخضع لمفهوم الدولة المركزية الأردنية في تأطير المناهج التربوية على هذه الأسس إن قُدّر له بأن يمسك زمام المناهج والعملية التربوية والتعليمية في الأردن . وأي مخالفة لهذه الأسس كيفما كانت المخالفة , فإنها تعتبر جريمة قانونية تستلزم العقاب إن ثبت وجودها .

واستطردت المادة في تحديد الفلسفة التربوية الأردنية و وضع إطار لها لا يمكن إلغاؤه أو تجاوزه أو تحريفه, لتوضّح  المفهوم التربوي الأردني للولاء والانتماء , في الفقرة ( ب ) من نفس المادة بنصها على أن  : (1-  المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي والولاء فيها لله ثم الوطن والملك ) .

أي أن الولاء والانتماء يكون لله تعالى ديانة ومنهاجا  واجتماعا  كما هو موجود في شرع الله تعالى بدون اتهامات مسبقة ولا تأويل مفاهيم حسب الأيدلوجية الفكرية لأي تيار فكري على الساحة الأردنية ,  ودون إلغاء أيّ من هذه المفاهيم بحجة السياسة الدولية   ,  فالانتماء لله تعالى بمفهومه الأصيل يُستمد منه مفهوم الوطن الأردني شرعيته , والذي يكون الحكم الملكي فيه شرعيا استنادا إلى البعد الديني لمفهوم الحكم والطاعة وما يستلزم  من بذل الغالي والنفيس في سبيل الاعتزاز بهذا الوطن وحكمه وطريقتها , لأنها تستمد شرعيتها من الدين الإسلامي الأصيل , كمفهوم للولاء والانتماء لهذا الوطن .

والمادة نفسها  سلّمت بأن الأردن كوطن ودولة وحكم بعد التأكيد على الولاء والانتماء في المنظومة التربوية الأردنية منطلقة من البعد الإسلامي  , بأن (2-  الأردن جزء من الوطن العربي والشعب  الأردني جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية) , حسب منطوق هذه الفقرة تحديدا , أن أي منهاج أردني يلتف على هذه الركيزة , بأي تشويه أو تحريف , هو منهج غير معتبر  وطنيا , ويجب العمل على إلغائه , لأنه بمفهوم بسيط جدا , خالف ركائز قانون التربية والتعليم الأردني .

استمرّت المادة في توضيح الثوابت الأردنية التربوية والتعليمية تجاه القضايا الإقليمية والعالمية وخاصة فلسطين منها ,  من حيث أن العمق العربي والإسلامي هو المنطلق الأردني في التعامل معها  , حيث نصّت على أن : (6- التمسك بعروبة فلسطين وبجميع الأجزاء المغتصبة من الوطن العربي والعمل على استردادها .

7 – القضية الفلسطينية قضية مصيرية للشعب الأردني،  والعدوان الصهيوني على فلسطين تحد سياسي وعسكري وحضاري للأمة العربية الإسلامية بعامة والأردن بخاصة . ) .

والفلسفة التربوية الأردنية فكّت الاشتباك حول الهوية الأردنية والهوية الإسلامية , باعتبار أن الهوية الوطنية الأردنية هي نفسها الهوية الإسلامية , ولا تضاد بينها , لا كما تروج إحدى  الهويات الفرعية الفكرية ؛ بأن هناك تضاد بين الهوية الوطنية والهوية الإسلامية ,  وأنّ الهوية الإسلامية للمجتمع الأردني والدولة الأردنية هي الحاجز الوحيد في الانفتاح على الآخر العالمي واحترام الآخر المحلي وتقبله  , لا بل وصل بهم الغي الفكري إلى  اعتبار الهوية الإسلامية هي المُفرّق الأول للمجتمع الأردني  , هذا الادعاء رفضته  النقطة التاسعة من الفقرة (ب) من  قانون التربية والتعليم الأردني حيث نصّت  على أن : (9 – التوازن بين مقومات الشخصية الوطنية والقومية والإسلامية من جهة والانفتاح على الثقافات العالمية من جهة أخرى) .

بينما المادة الرابعة من القانون نفسه , حددت الهدف من العملية التربوية والتعليمية في الأردن والذي يجب أن يكون مخرجاته متوافقة مع الفلسفة العامة للسياسة التربوية الأردنية وأطرها العامة , وفضّت الاشتباك المُفتعل بين الإيمان بالله تعالى عقيدة وشريعة ,  وبين المعيقات في التطور المنشود , حيث نصّت على أن  : (تنبثق الأهداف العامة للتربية في المملكة من فلسفة التربية وتتمثل في تكوين المواطن المؤمن بالله تعالى المنتمي لوطنه وأمته،  المتحلي بالفضائل والكمالات الإنسانية النامي في مختلف جوانب الشخصية الجسمية والعقلية والروحية والوجدانية والاجتماعية …) .

وزادت هذه المادة ترسيخاً لمبدأ المنطلق الإسلامي في العملية التربوية الأردنية من حيث النتائج النهائية المتوقعة من مُجمل العملية والفلسفة التربوية الأردنية  من خلال النقطة (د)  و ( س)  , كما فصلت بين “العقيدة الإسلامية”  و ” الشريعة الإسلامية ” في إيحاء إلى وجوب الإشباع الفكري والتعليمي والتعلّمي في كلا المجالين  , حيث نصت على  أن ( يصبح الطالب في نهاية مراحل التعليم مواطناً قادراً على ….
د – استيعاب الإسلام عقيدة وشريعة والتمثل الواعي لما فيه من قيم واتجاهات …
س – الاعتزاز الإسلامي والقومي والوطني ) .

البعض حاول ولا زال يحاول التنظير وافتعال معارك جانبية في الفلسفة التربوية الأردنية , وإقحامها في مسار تصادمي  بين القيم العالمية  والقيم الإسلامية, والادعاء بأنّ إسلامية المنهاج وعمقه العربي والإسلامي  هي معيقات كبرى في طريق التحليل والنقد والمبادرة والإبداع , باعتبار أن العقيدة الإسلامية  تحديدا حسب زعمهم لا تقبل النقد ولا المبادرات الإبداعية  , مع محاولة تشكيل حالة تربوية عامة بأن القيم العالمية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتساوق وتتلاءم مع القيم العربية ذات العمق الإسلامي .

هذا الحيّز استحوذ على الفضاء الأكبر من إهدار الطاقات في مسألة حسمها قانون التربية والتعليم الأردني , في مادته الخامسة والتي وضعت  مبادئ السياسة التربوية في الأردن , حيث نصّت هذه المادة على  أن (تتمثل مبادئ السياسة التربوية فيما يلي : …
د- توجيه العملية التربوية توجيهاً يطور في شخصية المواطن القدرة على التحليل والنقد والمبادرة والإبداع والحوار الايجابي وتعزيز القيم المستمدة من الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية )


* فلسفة التربية والتعليم والأهداف العامة للتربية والتعليم والسياسات التربوية  الأردنية  بين الثابت والمتغيّر.

الأهداف العامة المنبثقة عن الفلسفة التربوية والتعليمية والتعلمية  ,  هي التي تحدد السياسة التربوية العامة التي تنتهجها المؤسسات التعليمية بمختلف أنواعها وتصنيفاتها، ولا بد للسياسة التعليمية والتربوية  من أن تتميز بالثبات، والوضوح، والتكامل، والمرونة كي تساهم في إنجاز أهدافها، كما يجب أن تكون السياسة مكتوبة، حتى يتم تفسيرها بشكل صحيح،  ويجب أن تكون هذه السياسة واضحة ومفهومة لجميع العاملين بالمنظومة التربوية والتعليمية ، ولا تتأثر بتغيّر مسؤول أو اتجاه فكري أو أي هوية فرعية تغاير الهوية المركزية للدولة .

فالدستور الأردني  يحدد مرتكزات أساسية لفلسفة التعليم  في الأردن , وهذه المرتكزات ثابتة بحكم ثبات الدستور , وتأسيساً على هذه الفلسفة كما  ذُكر آنفا , يتم تحديد وتأطير قانون التربية والتعليم الذي يؤطّر ويثبّت بدوره الفلسفة التعليمية في الأردن وسياستها وأهدافها مكتوبة .

والناظر إلى المنظومة التربوية الأردنية وما يعتريها من تغييرات مستمرة , وقد تكون جذرية في كثير من الأحيان , ليجدها أنها تُصادم  وتناقض الفلسفة التربوية الأردنية العامة في كثير من تغييراتها , وأصبح كل مسؤول أو تيار أو جهة أو هوية فرعية , تفسّر الفلسفة التربوية الأردنية وفق هواها وما تريده هي  ,  وفق نظرتها العامة الأيدلوجية والفرعية . بل أصبحت خاضعة للاجتهادات الشخصية الغير مقنعة والغير مدروسة , والغير مبررة في أغلب الأحيان .

مرد هذا التغيير المستمر  إلى السياسة التربوية الأردنية , فمدخل هؤلاء جميعا يكون من خلال هذه السياسة , مع إهمال الفلسفة الأردنية التربوية , واستعمالهم للفلسفة الأردنية التربوية وأهدافها كغطاء عام لما يريدون تغييره , من خلال التلاعب في مفرداتها , وتراكيبها , وسير أهدافها , وكأن هذه الفلسفة التربوية لم تنبثق عن الدستور الأردني , ولا هي من المصادر الثابتة التي لا يجوز التلاعب بها حسب مزاجات متغيّرة غير واعية وانفعالية في كثير من المواقف , وكأنها وِضعت لتصفية حسابات فكرية على حساب الفلسفة العامة الأردنية التربوية .

النظام التربوي الأردني أصبح متفرداً عن الأنظمة العالمية ليس على سبيل التميّز , بل على سبيل البعد عن هذه المنظومات العالمية , فعلى سبيل المثال لا الحصر  : على مستوى سلم النظام التعليمي الأردني , أصبح يتكون من عشرة صفوف أطلق عليها المرحلة المرحلة الأساسية وصفان للمرحلة الثانوية  , بعد أن كان سابقا يتكون من ستة صفوف يطلق عليها المرحلة الابتدائية , وثلاث صفوف يطلق عليها المرحلة الإعدادية ,  وثلاثة صفوف يطلق عليها المرحلة الثانوية , وكل مرحلة كانت محكومة بأهداف خاصة بها لا بد من تحقيقها , مما أوجد  سلم نظام تعليمي فريد على مستوى الأنظمة التعليمية وغير منسجم مع  أهداف التعليم في المرحلة الثانوية كما هو متعارف عليه عالميًا.

مثال آخر على التغيير التابع لمزاجية الوزير , وأهواءه الشخصية – والذي خرج عن الفلسفة التربوية والتعليمية الأردنية –    إلغاء امتحان شهادة الدراسة الإعدادية الأردنية, وهو بعد من أبعاد سياسة الدولة المتعلقة بالامتحانات,  مع العلم انه لا زال معمولاً به  بشكل أو آخر، في الدول العربية وكثير من الدول الأجنبية .

والجهد الآن مُنصب على التلاعب بامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة ,  عن طريق لجنة شُكلّت حديثا في الأردن بداعي تطوير الثانوية العامة في الأردن , و سط تزاحم طروحات عديدة حول تغييره , أو حتى إلغائه, في جرأة عجزت عنها أعتى الأنظمة التعليمية العالمية .

الدكتور سعيد التل يلخص هذه التغييرات التي تخضع لأهواء ومزاجيات الهويات الفرعية , والشخصية , والتيارات الفكرية التي تحاول الزج بنفسها كبديل عن الهوية المركزية للدولة  في الفلسفة التعليمية وسياساتها التربوية , ضمن ورقة طرحها بعنوان – الدولة الأردنية وسياسات التعليم – والتي جاء فيها  : ( مع أن فلسفة التربية والتعليم والأهداف العامة للتربية والتعليم في الدولة الأردنية محددة بدرجة جيدة، إلا أن سياسات التعليم، وبصورة عامة تميل إلى أن تكون متغيرة تتعدل في ضوء اجتهادات غير مدروسة أو غير قائمة على أدلة وبراهين. وعلى سبيل المثال لقد ألغي امتحان شهادة الدراسة الإعدادية الأردنية، وهو بعد من أبعاد سياسة الدولة المتعلقة بالامتحانات برغبة من وزير التربية والتعليم آنذاك، هذا مع العلم أن لهذا الامتحان أهمية في هيكل النظام التعليمي، ومعمول به، بشكل أو آخر، في الدول العربية وكثير من الدول الأجنبية. فهذا الامتحان، من الناحية التربوية، محطة تقييمية بالغة الأهمية في التحقق من امتلاك الطالب لمنظومة من المعارف والمهارات والاتجاهات التي تؤهله للمرحلة الثانوية ومتطلباتها، ولأي تخصص من تخصصاتها. وهناك مثال آخر يتعلق بسلم النظام التعليمي والذي أصبح يتكّون من عشرة صفوف أطلق عليها المرحلة الأساسية وصفين ثانويين، بعد أن كان يتكوّن من مرحلة ابتدائية عدد صفوفها ستة، ومرحلة اعدادية عدد صفوفها ثلاثة، ومرحلة ثانوية وعدد صفوفها ثلاثة. ولكل مرحلة من هذه المراحل أهدافها الخاصة بها. تبدو هذه الحالة فريدة على مستوى الأنظمة التعليمية وغير منسجمة لأهداف التعليم في المرحلة الثانوية كما هو متعارف عليه عالميًا ( .

فالذي جعل هذه الهويات الفرعية تتصارع وتتصادم وتتناحر على محراب التعليم الأردني , وشجّعها على الدخول كبديل للدولة المركزية الأردنية , هو افتقار الدولة الأردنية لسياسات تعليمية مشرعة بقوانين وأنظمة, مما جعلها ضحية ومادة دسمة لكل هوية فرعية تريد تقديم نفسها كبديل للدولة المركزية الأردنية في سياسات التعليم تحديداً .

أمثلة  كثيرة على افتقار الدولة الأردنية لسياسات تعليمية مشرعة بقوانين وأنظمة، حتى لا تكون عرضة للتعديل أو التغيير غير القائم على أسباب موجبه، وغير المستند على دراسة معمقة. هذا ومع أن لكل جانب من جوانب سياسات التعليم أهمية، إلا أن لبعضها أهمية خاصة تتطلب الأولوية في التحديد على أساس أمرين؛ الأول هو فلسفة الدولة وواقعها الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ، والثاني التجربة العالمية وانعكاساتها على التنمية البشرية والاقتصادية بجميع أبعادها. من هذا المنطلق، يمكن القول، أن جوانب سياسات التعليم الأردنية التي تبدو بحاجة إلى المراجعة والتجديد العميق الشامل هي:

1 –  سياسة الدولة الأردنية المتعلقة بادارة التعليم.

2 – سياسة الدولة الأردنية المتعلقة بسلم النظام التعليمي.

3 –  سياسة الدولة الأردنية المتعلقة بتقييم تعلم الطلبة ومن ضمنها الامتحانات.

4 –  سياسة الدولة الأردنية المتعلقة بإعداد المعلمين ومسيرة التنمية المهنية لهم.

5-  سياسة الدولة الأردنية المتعلقة بالقبول في الجامعات الأردنية.

6 –  سياسة الدولة الأردنية المتعلقة بسوق العمل.
كما وردت في ورقة الدكتور سعيد التل في الجزء الثالث منها والمعنونة بــ( الدولة الأردنية وسياسات التعليم )  .

هذا التلاعب و هذه الجرأة  على السياسات التعليمية العامة الأردنية وكأنها أصبحت مستباحة لكل مَن يريد إزجاء بضاعته على قلة قيمتها    , أوجد مجتمع خرج بمفهومه العام عن الفلسفة الأردنية في التعليم وأهدافها , انعكس لزاماً على الدولة نفسها , وعلى المجتمع الأردني برمته ,  فالتراجع على مختلف الصعد يلحظه الغريب قبل القريب  كما يقال في الأمثلة الشعبية الأردنية .


نكتفي إلى هنا , وللحديثة بقية في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى  ..