رفيقة عثمان تبحر في رواية رمضان الرواشدة “النهر لن يفصلني عنك”

18 سبتمبر 2021
رفيقة عثمان تبحر في رواية رمضان الرواشدة “النهر لن يفصلني عنك”

وطنا اليوم –  بداية اتطرّق للجنس الأدبي لكتاب “النهر لن يفصلني عنكِ” نص الكتاب يعتبر نصّا مزيجًا ما بين النصوص النثريّة والشعر غير الموزون؛ تزيّنه اللّغة الشّعريّة الجميلة، والمنسابة بتلقائيّة لا تكليف فيها.
احتار في تحديد اختيار الجنس الأدبي لها؛ في تسميتها رواية أو سيرة ذاتيّة للكاتب نفسه، نصوصها لا تتعدّى التسعين صفحة من القطع الصّغير؛ حيث يكسوها الخيال الخصب والممتع في الرحلة للمكان عبر الازمان، ونجح الكاتب أن يجمع ما بين الماضي والحاضر والمستقبل في حرفيّة متناهية.
عنوان الكتاب يجذب القارئ، ويوحي ببداية قصّة عشق مستحيلة، بين محبوبين، عندما يتعمّق القارئ بقراءة السّرد؛ يكتشف خبايا وأسرار قصّة العشق الحقيقيّة بين الراوي والمدينة المقدّسة .
يُعتبر نص الكتاب أو ما سمّاها الكاتب بالرواية، عن مشاهد سينمائيّة متقطّعة لهواجس وهلوسات ابتدعها الكاتب؛ للتعبير عن ذاكرة المكان والزمان.
لتحقيق الهدف أعلاه، استخدم الكاتب اسلوب الاسترجاع ” الفلاش باك” باسلوب استخدام الهلوسات والهذيان، واسترجاع الذّاكرة، والتركيز الى “النوستالجيا”_ الحنين للماضي، وربط الماضي مع الحاضر والمستقبل.
احتل المكان مكانةً عالية مكانة البطولة بالمعنى المجازي، لما له من اهميّة في نفس الرّاوي، لدرجة أطلق على مدينة القدس بالمعشوقة؛ “اخترت العشق المرفوف بقلبي منذ مئات السّنين، هذا العشق الجمعي الذي أورثنيها آبائي وأجدادي”. تغزّل الكاتب بمعشوقته، كغزل عاشق بحبيبته “كم أنت جميلة ايّتها المقدّسة” صفحة 33.
القدس سكنت روح الكاتب، وذكر الأماكن المقدّسة فيها، والآثار التاريخيّة التي استذكرها، واستذكرالأحداث التاريخيّة والحروب، التي دارت رحاها بين اسوارها.
ذكرت اسم مغارة ” تصيديقياهو” أي مغارة سليمان والتي تحول اسمها وفق التسميات الكهنوتيّة اليهوديّة؛ ماستذكر الكاتب هذا الموقع مبرّرًا عراقة المكان وملكيّته قبل تهويدها؛ حيث كانت ملجأً للثوّار المدافعين عن القدس أمام الغزاة على مر العصور.
كذلك عند زيارته الى غربي المدينة، في حي مئة الأبواب – “ميئا شيعاريم”، متحسّرًا قائلًا: ” كيف أصبحت هذه البقعة مدنًا يختال فيها كلّ من هبّ ودبّ من القادمين من بلاد ذاكرة الى ذاكرتنا القديمة”. صفحة 63.
ابدع الكاتب في تصوير سيناريوهات سينمائيّة مختلفة، تصلُح لتمثيلها على خشبة المسرح؛ ونجح في هذا التصوير الدرامي للأحداث، مع إضافة الخلفيّات الصوتيّة لها؛ كأنها حاضرة أمام القارىء، وتحثّه على التخيّل وتصوّر وقائع الأحداث كما ابتدعها كاتبنا الرواشدة.
اختار الكاتب شخصيّة الراوي بضمير الأنا، وإجراء الحوار الذّاتي (المونولوج)، فابتدع شخصيّة القرينة، كأسلوب لإجراء الحوار الذاتي، والحوار العادي الذي أضاف مصداقيّة للسرد والاندماج بالقراءة دون ملل. يبدو أنّ هذا الأسلوب الذي ابتدعه الكاتب مكّنه الجمع ما بن الحاض والماضي والمستقبل، هذا الأسلوب الجميل يُضاف لصالح الكاتب المبدع.
طغت العاطفة الجيّاشة على نص الكاتب الرواشدة، عاطفة الحزن والألم، الذي يحمله بين جنبات قلبه نحو المدينة المقدسة، ومناجاة الماضي للفراق والابتعاد عن حبيبته المدينة؛ إلا انه لم يستسلم لهذا الألم، بل خلق أملا واضحًا، دلّ عليه عنوان الكتاب، “النهر لن يفصلني عنكِ” على الرّغم من الابتعاد إلّا أنّ القدس ساكنة وحاضرة في روحه، والنهر الفاصل بينهما، لا يفلح في انتزاعها من روحه وقلبه، حيث القدس ساكنة في الروح بالوقت الذي جسده يسكن في الاردن .
” نهايةً، كم أنا حزين غلى فراقك ووداعك أيّتها الحبيبة”. صفحة 86؛ ورد صفحة 48″ كم يسكنني اللّيل والآلام ” ، واذكري حبًّا ما زال حبيس فؤاد حزين”.؛ وفي الحزن غرقت قناديل المحبّة انطفأت لتعلن ميلاد من جديد”. صفحة 39.” قررت أن ألملم حاجياتي ومشاعري وحزني ومغادرة المدينة”. “شعرت بالحزن يغلّف قلبي وأنا أهيم نحو شطري الآخر وقلبي المكلوم بالآلام أبكي ذاكرة لم أحافظ عليها”.
اراد الكاتب أن يوحّد بين شطري فلسطين والاردن، كما أراد لها أن تكون نفهم هذا ما بين السّطور، شعبان متّحدان روحانيًّا ومتشابهان، على الرّغم من وجودهما في مكانين جغرافيين منفصلين ما بين شرقي النهر وغربيّه. ظهرت العاطفة الوطنيّة في روح الكاتب الرواشدة، والانتماء الشّديد للوطن والارض والشّعب،” وأنا أهتف أيضًا ومجدّدًا نهلا المقدّس هو قلبي الممتد من الشّرق إليكِ الرّابط ما بين الشّريان الشّرقي والغربي” صفحة 62.
مشاعر المقاومة والدّفاع عن الوطن والصّمود؛ تبدو فيه روح الوطنيّة دون معرفة تحديد جنسيّته الحقيقيّة، أهو فلسطيني أم أردني.” لا أريد الركوع سأبقى واقفًا بوجه الرّيح اللّعينة”.
تخللت الرواية بعض التناص، لقصيدة محمود درويش مثلًا: صفحة 78 “أنا يوسف يا أبي أخوتي لا يريدونني بينهم … وهم طردونب من الحقل يا أبي… وهم سمّموا عيني يا أبي… فماذا صنعتوهم اوقعوني في الجب… والنهر والذئب… والذئب أرحم من أخوتي”.
خلاصة القول: اجد بأن ّ هذا النص الروائي، كما يسمّيها الكاتب، هو نص ثمين وزاهر بالوصف الجميل للمعشوقة “القدس”، والجمع بين القديم والجديد، للأماكن والزّمن، من الممكن ان تكون مصدرًا توثيقيًّا للقدس وما تحتويها من قيمة تاريخيّة ودينيّة وسياسيّة؛ وإكساب بث روح الشعور بالوطنيّة والانتماء؛ وأوصي بأن تكون على رفوف المكتبات العربيّة والفلسطينيّة، لما فيها من قيمة أدبيّة وعلميّة.
هنيئًا للكاتب الرواشدة على هذا الإصدار القيّم، وارجو ان يم تعميم الرواية على المدارس العربية قاطبةً؛ خاصّةً أثناء الأحداث الأخيرة التي ألمّت مدينة القدس، من أطماع في مقدّساتها وكل ما يحتويها، ربّما من خلال هذه القصّة يتم تعميق المشاعر نحو مدينة السلام في نفوس الأجيال القادمة