وطنا اليوم:بعد مرور 8 أشهر على دخول فيروس كورونا المستجد إلى البلاد، أعلن المغرب عن خطط بديلة لـ”التقشف” في الميزانية، وذلك من خلال بند تضمنه مشروع مالية 2021، والذي أقر ضريبة جديدة على المواطنين بشكل إلزامي لتجاوز أزمة كورونا وإنقاذ المالية العمومية.
الضريبة الجديدة اختارت الحكومة أن تُطلق عليها اسم “مساهمة اجتماعية للتضامن”، ومن خلالها، حسب الصيغة الأولى لمشروع القانون، سيتم اقتطاع نسبة 1.5% من مدخول الأشخاص الذاتيين (أي المواطن العادي) الذي يحصل على مدخول مهني أو فلاحي أو عقاري يساوي أو يفوق 10000 درهم (1000دولار).
ولمواجهة العجز المالي الذي تسببت فيه الجائحة، والنقص المهول في مداخيل الخزينة العامة، صادق، أيضاً، مجلس المستشارين يوم الجمعة 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 على الإلغاء النهائي لمعاشات البرلمانيين التي أصبحت تُثقل ميزانية الدولة، حسب المؤيدين للقرار الجديد، وإلغاؤها سيساهم في توفير موارد إضافية لصندوق التماسك الاجتماعي.
ضريبة “التضامن”
قدمت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة المغربية مشروع قانون المالية لسنة 2021، ببند أثار الجدل بين الأغلبية والمعارضة داخل قبة البرلمان، وأيضاً بين النقابات خارج المؤسسة التشريعية، وذلك بعد إدراج ضريبة جديدة تتوقع وزارة المالية أن تُجني من ورائها 5 مليارات درهم (100 مليون دولار) وتم تحديد هذه الضريبة في سنة مالية واحدة فقط.
وبررت وزارة المالية إدراجها للضريبة الجديدة بكون ميزانية الدولة بحاجة لمداخيل في سنة 2021، لعدة أسباب منها تزايد “المصاريف الطارئة”، وأيضاً بسبب الانتخابات التي من المنتظر تنظيمها شهر أكتوبر/تشرين الأول من السنة المقبلة، وتحتاج إلى مصاريف إضافية.
من جهتهم يرفض البرلمانيين التصويت على البند المثير للجدل في قانون المالية والذي يطالب بـ”مساهمة اجتماعية للتضامن” على الشركات والأشخاص الذاتيين خلال السنة المقبلة للمساعدة في ترميم العجز الذي خلفته كورونا.
وحسب المعلومات من مصادر من داخل البرلمان، فإن المعارضين لضريبة التضامن وافقوا على تطبيقها على الشركات لكن نقطة الخلاف تضمنت الأشخاص الذاتيين، واقترحوا، شفوياً، الأشخاص الذين تجاوز دخلهم 2000 دولار تقريباً عوض 1000 دولار.
ولمناقشة “الضريبة التضامنية” في قانون المالية لسنة 2021 عقد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون، اليوم الثلاثاء 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 اجتماعاً مع رؤساء فرق الأغلبية بمجلس النواب من أجل مناقشة التعديلات التي تنوي الأغلبية إدخالها على مشروع القانون.
المعلومات من مصادر داخل لجنة المالية بمجلس النواب تقول إن رؤساء فرق الأغلبية أعدوا تعديلات على مشروع “فرض الضريبة التضامنية” وذلك لتقديمها أمام الوزير قصد إدراجها بمشروع قانون المالية 2021.
واقترح البرلمانيين أن تُطبق الضريبة على الأشخاص الذاتيين الذين يساوي أو يفوق دخلهم 15 ألف درهم (1500 دولار) أي إعفاء المداخيل التي تقل عن 10000 درهم (ألف دولار) من الضريبة.
أيضاً، ستطبق هذه الضريبة على الشركات التي يتراوح ربحها الصافي بين 5 و4 ملايين درهم وستؤدي نسبة 2.5%، أما التي يتجاوز ربحها الصافي 40 مليون درهم ستؤدي نسبة 3.5%.
وتُستثنى من الضريبة التضامنية الشركات المعفاة من الضريبة بصفة دائمة والشركات التي تعمل في مناطق “التسريع الصناعي”، وشركات الخدمات التي تستفيد من النظام الضريبي للقطب المالي للدار البيضاء.
يقول محمد أمكراز، وزير الشغل في تصريح إن “سنة 2020 تحملت فيها الدولة أعباء مالية كبيرة وفي المقابل عرف الاقتصاد الوطني صعوبات في الأداء والاشتغال، والسنة المقبلة في العالم وليس في المغرب فقط ستكون سنة صعبة، وهذا يقتضي تضامناً مجتمعياً من الجميع وإبداع وسائل جديدة للتضامن”.
المتحدث فضل تسمية الضريبة الجديدة “المساهمة” التي “تقتضي من جميع المغاربة الاشتغال في المرحلة المقبلة بنفس تضامني جديد وبشكل جماعي؛ لأن الانتصار سيكون جماعياً، وإذا كان الفشل فسيكون أيضاً جماعياً”.
الوزير قال إن أعضاء الحكومة أعطوا إشارة قوية لعموم المغاربة من أجل التضامن لتجاوز المحنة وذلك بتبرعهم بنسبة 20% من تعويضاتهم من شهر أغسطس/آب إلى نهاية سنة 2020، كما أن ملك البلاد محمد السادس قرر أن تُخصص المداخيل التي سيتم تحصيلها من هذه المساهمة البرلمانية إلى صندوق التماسك الاجتماعي.
رفض المساهمة
وإذا كانت الحكومة تُدافع عن ضريبتها الجديدة بدعوى “إنقاذ الاقتصاد الوطني” فإن النقابات العمالية، عبرت عن رفضها تحميل الطبقة المتوسطة والفئات الهشة فاتورة الأزمة الوبائية.
وعبر الاتحاد المغربي للشغل، أكبر نقابة عمالية في المغرب عن رفضه لـ”الضريبة الجديدة” موضحاً أنها “تفاقم الشعور بالظلم لدى فئات واسعة من الأجراء، وتخفيض غير معلن للأجر عوض إحداث ضريبة على الثروة وتضريب المستفيدين من خيرات البلاد”.
واتهمت النقابة العمالية الحكومة بـ”مواصلة استهداف الطبقة العاملة، وضرب قدرتها الشرائية، عبر نهج مقاربة تعتمد التوازنات المالية والمحاسبية على حساب الأبعاد الاجتماعية والمجتمعية وإرهاق فئات واسعة من الأجراء، من خلال إقرار ما اعتبرته إجراءً ضريبياً تمييزياً مجحفاً في شكل مساهمة التضامن الاجتماعي”.
من جهتها عبرت النقابة العمالية الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، عن رفضها “تحميل الطبقة المتوسطة وتحت المتوسطة فاتورة الأزمة، عكس ما تقتضيه الضرورة الموضوعية من إصلاح ضريبي شامل يحقق العدالة الضريبية كآلية لإعادة التوزيع، وإعطاء الأولوية للقطاعات الاجتماعية، وعلى رأسها الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية الشاملة”.
واعتبر المكتب التنفيذي للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، في بيان له أن “مشروع قانون المالية 2021 لم يقدم أجوبة واقعية عن الأزمة الاجتماعية التي تعيشها بلادنا، والحكومة أقرت قانوناً جديداً بشكل أحادي القرار”.
معاشات البرلمانيين.. نهاية زمن الريع
وبالموازاة مع النقاش الدائر حول “الضريبة التضامنية”، صوت الجمعة 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 مجلس المستشارين، ولأول مرة على إلغاء معاشات البرلمانيين للأبد، وذلك بعد إفلاس الصندوق المخصص لهذا الغرض.
ويحصل كل برلماني مغربي على معاش قيمته 5000 درهم شهرياً (500 دولار) قبل وصولهم سن التقاعد، وحسب المعلومات من مصدر برلماني، ففي المغرب يوجد حوالي 1000 برلماني يحصلون على المعاش البرلماني، فقط 400 منهم يتجاوز سنهم سن التقاعد.
المؤيدون لإلغاء تقاعد البرلمانيين اقترحوا أن تصرف الدولة تعويضاً في نهاية كل ولاية برلمانية وليس أجراً لمن يقومون بمهام الإنابة بمجلس النواب، وذلك من خلال مساهمات أعضاء مجلس النواب الشهرية (250 دولاراً) وأيضاً مساهمة أخرى من مالية من الدولة.
مصادر الموقع قالت إن إنهاء معاشات البرلمانيين سيكلف المغرب حوالي 6 مليارات درهم تقريباً لتعويض الأجيال التي تعاقبت على البرلمان منذ إقرار صندوق المعاشات سنة 1993، وكلما كان البرلماني قد ساهم بأكثر من ولاية في البرلمان فإن تكلفة تعويضه ستكون باهظة جداً، مقارنة مع من لم يمضِ سوى ولاية أو ولايتين.
إنهاء معاشات البرلمانيين قسّم ممثلي الأمة بين مؤيد أكد أنها تدخل في خانة “الريع السياسي”، ومُعارض بدعوى أنها “حق للبرلماني”، شرط القيام بإصلاحات لصندوق المعاشات.
ومن بين المؤيدين لإبقاء معاشات البرلمانيين قبل المصادقة عليه، نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي والوحدة والتعادلية والذي قال في تصريح أثار الجدل إن فريقه النيابي وقف على “الوضعية الاجتماعية الصعبة التي يعيشها بعض البرلمانيين الوطنيين الذين غادروا البرلمان، وسيلحقهم الضرر من إلغاء المعاشات في حق بعضهم.
موقف مضيان عارضه البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية عبدالعزيز أفتاتي، الذي قال إن “تصفية صندوق معاشات البرلمانيين قد تأخر، إذ كان ينبغي تصفيته موازاة مع مصادقة البرلمان خلال الولاية التشريعية السابقة على قوانين إصلاح التقاعد”.
وأضاف المتحدث: “لا يعقل أن يصادق البرلمان على رفع سن تقاعد الموظفين والأجراء ويحافظ على تقاعد أعضائه”، لكن رغم ذلك يعتقد أفتاتي أن “تصفية هذا الصندوق يعطي دلالة رمزية على التوجه نحو القطع مع الريع بمختلف أشكاله”.
واعتبر البرلماني السابق أن “الانتداب مهمة نضالية لتمثيل المواطنين، وليس وسيلة للتكسب”، وباعتباره برلمانياً سابقاً يدعم بشدة هذه الخطوة التي طالما طالب خلال ولايته.
ويعتبر أفتاتي أن تصفية هذا الصندوق بمثابة انتصار جزئي ضد الريع، ما كان له أن يتحقق لولا تظافر عاملين أساسين هما: وجود ضغط شعبي ورفض مطلق من طرف رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بضخ أموال من المالية العمومية في هذا الصندوق.
وطالب أفتاتي بضرورة أن يشمل الالغاء معاشات الوزراء، مؤكداً أن البرلمان يجب أن يتحمل مسؤوليته في هذا الشأن ويقر قانوناً يلغي معاشات الوزراء.
من جهة أخرى، طالب أفتاتي بالقطع مع التعويضات الجزافية للبرلمانيين والمنتخبين المحليين، مقترحاً أن يقترن التعويض بالعمل.