من الدَّين إلى التنمية: إعادة التفكير في السياسة المالية الأردنية

25 ثانية ago
من الدَّين إلى التنمية: إعادة التفكير في السياسة المالية الأردنية

إعداد: المهندس نبيل إبراهيم حداد – مستشار إنشاءات
الامين المساعد/ حزب الانصار الأردني

يظلّ الاستقرار المالي والنقدي في الأردن في صميم مستقبله الاقتصادي. التحديات واضحة؛ فقد ارتفع الدين العام إلى مستويات تثقل كاهل الموازنة، في حين يبقى النمو متواضعًا. ومع ذلك، فإن الإصلاحات الصحيحة يمكن أن تحوّل السياسة المالية من عبءٍ إلى محرّكٍ للتنمية.
الخطوة الأولى تتمثل في معالجة استدامة الدين العام، وهو ما يتطلّب تحقيق توازن بين الانضباط المالي والاستثمار الاستراتيجي؛ أي خفض النفقات غير الضرورية مع توجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية مثل الطاقة المتجددة، والصناعة، والاقتصاد الرقمي. كما ينبغي دراسة إعادة هيكلة الدين، حيثما كان ذلك ممكنًا، لتخفيف الضغط عن الموازنات المستقبلية.
ثانيًا، يُعد الإصلاح العادل للنظام الضريبي أمرًا جوهريًا. فقد اعتمد النظام الضريبي في الأردن منذ فترة طويلة على الضرائب غير المباشرة، وهو ما يثقل كاهل الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ويُعيق في الوقت ذاته نمو الأعمال في القطاع الرسمي. إن توسيع القاعدة الضريبية، وإغلاق الثغرات، وتحسين الامتثال يمكن أن يزيد الإيرادات دون تحميل المواطنين أعباء إضافية. نظام ضريبي أكثر عدالة يعزز الثقة ويُقوّي القدرة على الصمود.
ثالثًا، يجب أن يبقى ضبط التضخم واستقرار الأسعار أولوية قصوى. ففي ظل تقلب أسعار الطاقة والغذاء عالميًا، يصبح الحفاظ على استقرار الدينار من خلال سياسات نقدية حكيمة أمرًا حاسمًا. إن تعزيز استقلالية البنك المركزي وصون دوره كعامل استقرار يحمي الأسر والشركات من الصدمات الخارجية.
وفي هذا السياق، أظهر البنك المركزي الأردني قوة لافتة في الحفاظ على وضع نقدي متين. فقد أسهمت سياساته الحصيفة في الحفاظ على الاستقرار المالي وتعزيز الثقة بالدينار. إن هذه المرونة تضع الأردن في موقع محتمل كملاذ إقليمي آمن للإيداعات المالية، خاصة في وقت تواجه فيه الاقتصادات المجاورة تقلبات حادة. كما أن قدرة الأردن على الصمود خلال الاضطرابات الاقتصادية التي عصفت بالعالم في السنوات الأخيرة عززت سمعته كنظام مالي موثوق وقادر على التحمّل.
وأخيرًا، فإن جذب الاستثمارات – سواء الأجنبية أو المحلية – يعتمد على المصداقية. فالمستثمرون يبحثون عن بيئة مالية مستقرة، وحوكمة شفافة، وسياسات طويلة الأمد واضحة. إن تبسيط الأنظمة، وتوفير بنية تحتية موثوقة، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص يمكن أن يساعد في جعل الأردن مركزًا إقليميًا للاستثمار.
وخلاصة القول، يجب أن تتطور السياسة المالية الأردنية إلى ما هو أبعد من الحلول المؤقتة نحو رؤية طويلة المدى. فمن خلال تطوير إدارة الدين، وإصلاح النظام الضريبي، وتثبيت الأسعار، وبناء ثقة المستثمرين، يستطيع الأردن أن يتحرك بحزم من مرحلة الدَّين إلى مرحلة التنمية.