همسة: حين يكون “صاحب وجه القط ” في حضرة الأسد

51 ثانية ago
همسة: حين يكون “صاحب وجه القط ” في حضرة الأسد

بقلم المهندس خالد بدوان السماعنة
في غابة الإدارة، يختلف شكل الكائنات باختلاف المكان الذي تقف فيه. هناك من يبدو في الساحة العامة مثل وحش لئيم، ينهش لحم فريقه ويزرع بينهم الخوف والريبة، لكنه حين يقف أمام الأسد، يتحول إلى قطٍ وديعٍ يتلو أناشيد الولاء ويغطي مخالبه بالحرير.
لكن الأخطر أن صاحب وجه القط هذا ليس مجرد عابر سبيل، بل هو صانع أصول القرارات، يرفع بها ما يشاء ويحجب بها ما يشاء، ويعيد صياغة الحكايات فتمر من فمه إلى مسامع الأسد. فيكبّر ما يحب، ويصغّر ما يكره، ويقلب الحقائق حتى تبدو على هواه.
كان في الغابة مرآة تُظهر للملك كل ما يجري في أركانها، لكن صاحب وجه القط تعلّم كيف يُلمّعها لتبدو ندوب الأشجار زينةً في العيون، وتشققات الأرض مجرد خطوط زخرفية.
أما ذلك الذئب الأمين الذي كان يعرف خفايا الممرات وظلالها، والذي قد كشف ألاعيب صاحب وجه القط غير مرة، صار عبئًا على صاحب وجه القط، فاستنفر الأخير جنده وحيكت حول الذئب خيوط الصمت حتى غاب صوته، ليبقي صاحب وجه القط وحده في المشهد.
المشكلة ليست في أن صاحب وجه القط يغير جلده، بل في أن صورته الوادعة قد تخفي جراح الغابة، فيُظن أن كل شيء على ما يرام، بينما الحقيقة أن بعض الأشجار بدأت تذبل، وبعض الطيور هجرت أعشاشها.
ليس الغرض من هذا القول اتهامًا لأحد، بل تحذير من لعبة الأقنعة؛ لأن ملك الغابة حين تُحجب عنه الحقائق تموت في الغابة الثقة، وتُتخذ القرارات على صور ناقصة وظلال مشوشة. وحينئذ لا يكون ضرر الغابة أن تسقط شجرة أو عشّ، بل ضررها الأعظم أن يسقط العدل فيها.
فهل يمد الأسد عينيه أعمق من ابتسامات القطط ليرى أين تختبئ المخالب؟.
وهل سيفتح نوافذ القصر لينكشف الغبار قبل أن تتحول الغابة إلى صمت طويل؟.

المستفاد:

ضرورة الشفافية: على القادة أن يبحثوا عن الحقيقة الكاملة لا عن الصورة المجمّلة.
مخاطر الأقنعة الإدارية: الموظف الذي يظهر وديعًا قد يكون مصدر فساد خفي.
الحفاظ على العدالة والثقة: إخفاء الحقائق يضر بالنظام بأكمله ويؤدي إلى ذبول “الغابة” (المؤسسة/الوطن).
المسؤولية القيادية: على القائد أن ينظر بعمق ويتحقق من خلفية القرارات ومن يوجّهها.

دمت يا أردن بخير.