وطنا اليوم:تُعدّ معادن الأرض النادرة عنصراً أساسياً في صناعة مجموعة واسعة من المنتجات بدءاً من الطائرات المقاتلة إلى قضبان مفاعلات الطاقة النووية والهواتف الذكية.
ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية، أصبحت هيمنة الصين على استخراج هذه المعادن المتخصصة ومعالجتها بمنزلة أداة ضغط تستخدمها ضد خصومها.
رداً على الرسوم العقابية التي فرضتها واشنطن، أضافت بكين في وقت سابق من الشهر الجاري سبعة معادن أرضية نادرة إلى قائمة قيود التصدير الخاصة بها.
ورغم أن هذه المعادن شائعة نسبياً في قشرة الأرض، فإنها نادراً ما توجد في الرواسب المركزة. كما أن استخراج العناصر الفردية منها يتطلب عملية متعددة المراحل، ولا تهيمن الصين على عمليات الاستخراج فحسب، بل تسيطر أيضاً على الغالبية العظمى من قدرة التكرير العالمية.
أميركا تفتقر لقدرات المعالجة
في المقابل، تفتقر الولايات المتحدة تقريباً إلى أي قدرة معالجة للمعادن المستهدفة، وفقاً لبيانات صادرة عن شركة الاستشارات “بروجكت بلو” (Project Blue).
قالت بكين إنها تفرض هذه القيود لأن المعادن تُستخدم في التقنيات المتقدمة وفي صناعة المغانط القوية، وبالتالي تُعدّ مواد ذات استخدام مزدوج، أي أنها تُستخدم في التطبيقات المدنية والعسكرية على حدّ سواء.
قال ديفيد ميريمان، مدير الأبحاث في “بروجكت بلو”: “تؤثر هذه المنتجات والعناصر مباشرة في تطوير التقنيات الرئيسية وتدعم الصناعات في الأسواق الكبرى الأخرى… وهذا يمنح الصين ورقة ضغط أكبر في أي مفاوضات”.
فيما يلي بعض الاستخدامات الرئيسية للمعادن السبعة – من أصل 17 معدناً تندرج عادة ضمن قائمة معادن الأرض النادرة — التي أصبحت الآن على قائمة المعادن المحظورة من قبل بكين.
التريبيوم
هذا المعدن الناعم ذو اللون الفضي يستخدم في المصابيح، ويظهر الألوان الزاهية على شاشات الهواتف الذكية، بحسب الجمعية الملكية للكيمياء.
ويزيد عنصر التيربيوم من قدرة المغانط المستخدمة في الطائرات والغواصات والصواريخ على تحمّل درجات الحرارة. تقول وزارة الدفاع الأميركية، إن التيربيوم “واحد من أصعب العناصر في تأمينه”، إذ يشكّل أقل من 1% من إجمالي محتوى معادن الأرض النادرة في معظم الرواسب.
تصدّر الصين ما يصل إلى 85% من التيربيوم المنتج بها إلى اليابان، فيما تشمل الوجهات الأخرى كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، التي تأخذ حوالي 5%، وفقاً لحسابات “بلومبرغ” بناءً على بيانات الجمارك الصينية.
الإيتريوم
يُستخدم الإيتريوم في علاج سرطان الكبد، وفي إنتاج الليزر المستخدم في جراحات الطب والأسنان، كما يزيد من قوة السبائك ومقاومتها للحرارة والصدمات، ما يجعل استخدامه مثالياً في الموصلات الفائقة التي تتحمل درجات الحرارة العالية.
تم استخراج الإيتريوم من منجم “ماونتن باس” في كاليفورنيا، ولكن تُصدر التركيزات للمعالجة نظراً لعدم وجود منشأة فصل تجارية بالكامل في الولايات المتحدة.
وحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإن حوالي 93% من واردات الولايات المتحدة من مركبات الإيتريوم جاءت من الصين خلال الأعوام الأربعة حتى عام 2023.
الديسبروسيوم
اسم هذا المعدن اللامع مشتق من الكلمة اليونانية التي تعني “صعب الحصول عليه”.
باعتباره مقاوم لدرجات الحرارة العالية، يُستخدم الديسبروسيوم أساساً في سبائك المغانط المستخدمة في المحركات أو المولدات.
يعد المعدن مهم بشكل خاص للانتقال إلى الطاقة النظيفة، إذ تُستخدم المغانط في توربينات الرياح والمركبات الكهربائية. كما يستخدم نوع من الديسبروسيوم في قضبان تحكم المفاعلات النووية حيث يمتص النيوترونات بسهولة.
تشحن الصين أكثر من نصف الديسبروسيوم إلى اليابان، وحوالي عُشر الكمية إلى كوريا الجنوبية، في حين يذهب 0.1% فقط إلى الولايات المتحدة. من المتوقع أن توسع شركة “ليناس رير إيرثس” (Lynas Rare Earths) الأسترالية مصنعها في ماليزيا لإنتاج الديسبروسيوم والتيربيوم بحلول يونيو.
الغادولينيوم
إذا كنت قد خضعت من قبل لفحص الرنين المغناطيسي، فيحتمل أنك تلقيت حقنة من صبغة تعتمد على الغادولينيوم، التي تتفاعل مع القوى المغناطيسية لتحسين وضوح أعضاء الجسم في التصوير الطبي.
الغادولينيوم فعال أيضاً في تعزيز أداء السبائك، بحيث يحسن من مقاومة درجات الحرارة العالية والأكسدة، ما يجعله مفيداً للمعادن المستخدمة في صناعة المغانط والمكونات الإلكترونية وأقراص تخزين البيانات.
تجعل قدرته على امتصاص النيوترونات منه مكوناً أساسياً في قلب المفاعلات النووية.
اللوتيتيوم
هذا المعدن صلب وكثيف، على عكس معظم العناصر الأخرى المستهدفة، ويُستخدم كعامل محفز كيميائي في مصافي النفط. تشتري الولايات المتحدة تقريباً كل إمداداتها من هذا المعدن من الصين، التي تصدر أيضاً كمية صغيرة إلى اليابان.
الساماريوم
سبائك الساماريوم-كوبالت مدرجة في قائمة الولايات المتحدة للمعادن الحرجة التي يمكن تخزينها للاحتياط.
شاع استخدام المعدن سابقاً في سماعات الرأس، ويستخدم الآن في المغانط الفائقة في التوربينات والسيارات، وله تطبيقات دفاعية أوسع، لأنه يحافظ على طبيعته المغناطيسية في درجات الحرارة العالية، كما يدخل الساماريوم في الليزرات البصرية والمفاعلات النووية.
السكانديوم
سُمي المعدن بهذا الاسم نسبة إلى اسكندنافيا لأنه اكتُشف لأول مرة في المنطقة الشمالية من أوروبا. يمكن استخراج السكانديوم من مخلفات المناجم، أو كمنتج ثانوي من تعدين اليورانيوم أو معادن أخرى.
قد تحتوي عصا البيسبول وإطارات الدراجات على آثار من السكانديوم. نظراً لكثافته المنخفضة ودرجة انصهاره العالية، يُستخدم المعدن أيضاً في صناعة بعض مكونات الطائرات المقاتلة.
خصائصه المشعة تجعله مثالياً كعلامة تتبع في تكرير النفط، أو في اكتشاف التسريبات في الأنابيب تحت الأرض.
كانت المرة الأخيرة التي أُنتج فيها السكانديوم في الولايات المتحدة منذ أكثر من 50 عاماً، وفق هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
تستورد الولايات المتحدة حالياً 14% من صادرات الصين من عنصري السكانديوم والإيتريوم معاً، بحسب بيانات الجمارك، فيما تُعدّ اليابان أكبر المستوردين. لا ينتج السكانديوم حالياً في الاتحاد الأوروبي، لكن من المزمع بدء تشغيل مشروع العام المقبل.
خارج القائمة: النيوديميوم والبراسيوديميوم
النيوديميوم والبراسيوديميوم لم يُستهدفا في هذه الجولة من التصعيدات التجارية رغم أنهما من أكثر عناصر الأرض النادرة شيوعاً نظراً لدورهما المحوري في صناعة المحركات المغناطيسية الدائمة.
النيوديميوم والبراسيوديميوم يحولان الكهرباء المخزنة في البطارية إلى حركة مثل تدوير عجلات المركبة الكهربائية، والعكس أيضاً إذ يحولان الحركة إلى كهرباء، بالتالي يشيع استخدامه في توربينات الرياح.
أعادت شركة “إم بي ماتريالز” (MP Materials) فتح منجم “ماونتن باس” في صحراء موهافي بكاليفورنيا في عام 2018، وهو المنجم الوحيد للمعادن الأرضية النادرة العامل في البلاد والذي يمتلك قدرات تكرير حالياً.
العام الماضي، أنتجت الولايات المتحدة 1,130 طناً من النيوديميوم والبراسيوديميوم، وفقاً لشركة “بلو بروجكت”، فيما أنتجت الصين أكثر من 58,300 طن.