بقلم : الكاتبة تسنيم محمد
إِلى حبِيبيَ الأَوّلِي الّذي لَم يعُد حَبيبيَ اليَوم ، هذَا ولأنّ جزالَة اللّغَة علّمَتنا بأن نخُطّ تِلكَ الياءُ كنايَةً عنِ المُلكِيّة ، بِأن نضَعَها آخر كلِماتِنا لنتَكَلّم عن حقُوقِنا وأملاكِنا الشّخصِيّة ، أن نتَجرّد مِنها لِما لَيس لنا .
لَم أَعتَد مُنذُ نعُومَةِ أظفَاري بِأن أعِيشَ قِصَصاً رَكِيكَةً كَهَذِه ، كَانَت بِدايَاتِي جَمِيعها عَلى اختِلَافِ أصعِدَتِها حَتمِيّة وَصَائِبَة ، أكتُبُ لَكَ الأنَ ولَا أعرِف لِماذا أكتُب لكِن إن كَانَ يُهِمّكَ الأمرَ ولَو قَلِيلاً سَأخبِرك ، لَا شَيءَ على سَطحِ هذِهِ الأرضُ يقودُنِي إلى هُنا بقَدرِ ما يَفعَلُهُ الخُذلَان ، رُبّما فقَدتَ الإِحسَاس أنتَ بما أَعنِيهِ مُنذُ سِنِين ، وحدَها نُدُوب يَدِكَ سَتُذكِّرُك ، علّكَ تلمِسُ لَذعَةَ الشّعورِ .
خَطَّت يَدَايَ لكَ هذَا بعدَ يومٍ طويلٍ مُرهِقٍ سَبَقَتهُ لَيلةً دَامِية مَرّت عَلَى صَدرِي ، حَملتُ قَلَمِي فيها سِتّون مرّة لِأخبِرُك هذَا الّذي رُبّما تعتَبِرُه هرَاءً ، لَم يعتَلِينِي الوُضوح البَحتُ يوماً كَما كُنتُ مَعَك وكَمَا أنَا الآن ، لطَالما كُنتُ لَمّاحَةً تَستَهوِينِي قِراءةُ صوَر المَارّة بِشَتّى مَلَامِحِهِم وحَرَكاتِهم ، سَجِيّتِهِم الّتي تَعكِسُ ما خلفَ حَدَقاتِهِم ، كُنتُ هكَذَا لا تغرِيني الأحرُف العَارِيَة ، تفقِد إجلَالَها أمامي إذا تمّ الإتيَانُ بِها ، بخِيلَة الإيمَانِ بِالإطرَاءِ السّرِيع ، تَأسِرُنِي مرَاقَبة قَدَاسَةِ البِدايات ، تبدُو مُهلِكَة وعَمِيقَة لِمَن يَجلِسُ في بَرّ الأمَان يُحَدّقُ فِي تلَاشِي جمَالِيّتِها بِبُطء ، أتَذكُرُ حينَ سَألتُكَ ذاتَ مَرّة عَنها ! ، لَم يَخطُر علَى بالِ قَلبِي بِأنّني سَأجلِسُ علَى أحَد مقاعِدِها أُراقِبُ تسَلّلِها إلَى أطرَافِ جسَدِي أمَامَ عَينِي ، غَدَت الفَاجِعَة الّتي مرّت بِها عَائِلَتي في تلكَ الفَترَة والّتِي كَانَت سَبَب نزولِكَ في مَحَطّة حياتِي لتَأخُذَ قِسطاً مِنَ الرّاحَة وتُكمِل بعدَها سَفَرِكَ وعودَتِكَ إلى حَيثُ تَنتَمِي هيّنَة ، بَدَت آلَامِي عَذبَة حَنونة كَقَلبِ أُمّ ، لَم أَكُن أعلَم بِأنّكَ سَوف تَبتُر نصفِيَ الأيسَرَ كَامِلاً عُقبَ رَحِيلِك …
كَانَ الحُبُّ وشَغَبُهُ مَلعَباً مَلحَمِيّاً لَدى مُستَوطِنيه ، أن يَرفَعَ بَعضَهُم رايَةً بَيضَاءَ أَمَامَه يَعني حَتماً حُصولَ كارِثَةٍ ما أدّت إلَى إِخمَادِهِ وَتَناثُرَ رَمادِهِ في الهَواء كَأنّه لَم يَكُن يَوماً ، كَيفَ يُمكِن لِلمَرءِ التّجَاوُز فِي لَيلَةٍ وَضُحاهَا ؟! ، كًيف يَغدُو القلبُ مَصنَعاً لِلمَشاعِر مُجَدّداً ؟! ، كَيفَ يَجرُؤُ الجُبَناء الّذِينَ قَذَفَهُم الحُبّ بَعِيداً علَى التّلَعثُمُ بِهِ بِسَذَاجَة ؟! ، كَيف يَغدُو الحّبّ لَهواً وَالعِشقُ سَهواً ، المَشاعِر فراغاً والهِيام ذَنباً ، الإهتِمامُ حِملاً ، التّمَلّك خَطِيئة والتّضحِيَة غَبَاءً ، كَيف !! …
لَم يَكُن فِي نِيّتِي المَيَلانِ عَن كَونِيّتِي ، أَرهَقتُكَ رَفضاً ، عرقَلتُ لهفَتَكَ نَحوِي مِراراً ، بَدَوتَ لِي مِثالاً يُحتَذَى بِهِ لِلحُبّ ، أَخبَرتُكَ مِراراً حِينَها أَن تَكُفّ قلبَكَ عَنّي فلَن تَنالَ ما تَصبُو إِلَيهِ سَيّدِي ، لَم أكُن أدرِكُ حينَها أنّنِي أُعاني ممّا تُعانِي ، كنتَ حينَ أسألُكَ متعَجّبَةً مِن إِلحَاحِك ( مَتى سَتَمِلّ مِن يقينِكَ المُستَمِرّ بِأَنّني سَأكُون مِلكَ قلبِكَ يَوماً !! ) ، تَتَعَجّبُ مِنّي قَائِلاً ( أَشَكَوتُ لَكِ ! ) ، كَانَ اللّيلُ يَحِلّ عَلَى جَسَدِي لِأجلِسَ مُتّكِئَةً علَى حلُمٍ غَدَا كَابُوساً لَعِيناً اليَوم ، أسرَحُ حائِرَةً كَيفَ لِرَجُلٍ بِمُواصفاتِك يَسكُنُهُ الكِبرِياء ، ينتَقِي حرُوفَهُ ببَرَاعَة ، تَبدُو جُمَلِهِ أُعزوفَةٍ متناغِمَة ، أَن يَخضَعَ لِهَفوَةِ الحُبّ ، أَن لَا يَرَى تَمَسّكِهِ المُبالَغِ ضَعفاً وَإنقاصاً مِن حجمِه ، بَدَوت جَمِيلاً وقَوِيّاً لِلغايَة ، رَأيتُكَ سَيّدِي ، رَأيتُ فيكَ وِجهَتِي الّتِي أحبَبت ، أيقَنتُ أنّنِي أتّكِئَ علَى جَبَلٍ لَن تبلُغَهُ الهَشَاشَةُ يَوماً ، يَا لَلغباء الّذِي حَلّ بِي …
بَعِيداً عَن أنّها علاقَةً غزاها المّدُّ والجَزرُ كَثِيراً رُغمَ قصرِها ، ويقِينِي بِأنّ تملّكِي لَكَ وغِيرَتِي الحَزينَة أودَت بِي إلَى الهَلاكِ مَعَك ، إيمَانِي بِأنّنِي لَم أكُن أصلُح لِلحُبّ يَوماً لِأنّ كلّ شَيء بَاتَ مُقَنّعاً و رَمادِيّاً ، فَإنّنِي مُمتَنّةٌ لِتِلكَ السّاعَة الّتِي دَقّت عَقارِبها لِأُسَلّم لَكَ قَلبِي اللّعِين ، لَكَ أن تَقولَ أنّنِي بخَيرٍ سَيّدِي بِإستِثنَاء أنّ اللّيلُ يَبدُو حَالِكاً عَلى غَير عَادَتِه والقَمَرُ مُشَوّهاً ولَيسَ جَمِيلاً كَما يَظُنّ الكَثير ، فَعِند تَحدِيقِي بِهِ مُطَوّلاً بَدَا لِي مُعتِماً ومَلِيئاً بِفُوّهاتٍ كَئِيبَة ، لَا أعلَم لِماذَا يستَخدِمُه البَشَر لِلثّناء علَى بعضِهِم ، وينتَقِيهِ الشّعَرَاءُ نِبرَاساً لِوصفِ المَحبُوب ، يا لَغَرَابَتِهِم ! ، يَبدُو المَاءُ عِكراً قَلِيلاً وَالطّعام سَيّء المَذَاق ومُقرِف لِلغَايَة ، وَالهَواءُ مُلَوّثاً ، وَالمَكَانُ صَاخِبٌ لِلغَايَة رُغمَ جلُوسِي وَحِيدَةً مُنذُ أَمس ، فَوضَى عَارِمَة تجتَاحُ أطرَافِي ، أُمّي مُلِحّة لَكِنّها لَم تَندَهَني سِوَى مَرّةٍ وَاحِدَة ، السّقفُ مُنخَفِض ، جدرَان غُرفِتي على اتّساعِها ضَيّقَة لِلغَايَة ، تَستَفِزّنِي قُربَ الأَشيَاء مِنّي حَتّى هذَا الحَائط الّذي يجاورَني ويَنظُر إلَيّ دُون حِرَاكٍ لِسَنواتٍ فليَغرُب عَن وَجهِي…
كَيفَ لَا يُجَنّ جُنونِي عَلَيكَ ، كَيف يُحِبّ المَرء بِلا أنَانِيّة ! ، ألَم تَرَى أنّ صِرَاعِي لِفكْرَةِ مُجاوَرَتِكَ لِأنفَاسِ امرَأَةٍ غيرِي فِي فِرَاشٍ واحِدٍ كَافِياً لِتُحارِبَنِي بِقربِكَ المَكَانِيّ بِغَيرِها ! ، أن يُشارِكنَك الكثيرَات ضَحِكاتِكَ وَأوقاتِ فرَاغِكَ بَعِيداً عَنّي ، أن أَغدُو فِي لَائِحَةِ الأَشيَاءِ الّتِي تمرّ علَى بَالِكَ سَهوَاً ، مَتَى أصبَحَت امتلَاكِ القُلوبِ لِمَن يُهِيمون فِي أخذِ إجَازاتٍ قَصِيرَةٍ بَعِيداً عَن رُوتِينِ الحَياةِ المُمِلّ مُسَلّيَة ! ، أنْ نَسلِبَ ثِقَةَ الأشخَاصِ بِإختِيارَاتِهِم ونسرِقَ مِن أعمارِهم سِنيناً يُحاوِلُونَ فيهَا تَرمِيمَ شُروخٍ عَمِيقَة ، أن نَمضِي هَكَذَا بِلا تَأنِيبٍ لِلضّمِير بِأنّ أحَدَهُم أدمَنَ مُسَكّناتِ الصّداعِ بعدَ مُنتَصَفِ اللّيل ويتناوَل المُنَوّماتِ بِشَرَاهَةٍ عَلّهُ يَخدَعُ جسَدَهُ لِيغفُو قَلِيلاً بَعِيداً عَن صِرَاعَاتِهِ النّفسِيّة…
أَنسَدِحُ هُنا أفكّرُ بِمَا حَدَثَ وما لَم يَحدُث ، أستَذْكِرُ تَفاصِيلَ حَياتِي قبلَ اقتِحامِكَ لَها ، كَيف كانَ شَكلُ اللّيلِ قبلَك وكَيف كُنتُ أرقُصُ التّانغو عَلى حَافّةِ مَنزِلِي بعدَ مُنتَصَفِ اللّيل كَطِفلَةٍ مجنُونَة مُفعَمَة بِحُبّ الحَياة حَيثُ كُنتُ أرَاها بصُورَتِها المُنمّقَة ، قَاطَعَتنِي عَينَايَ لِوَهلَةٍ لِأرَى كَنزَتِي الزّرقاء الّتي ارتَدَيتُها فِي أوّلِ لِقاءٍ لَنا فِي زَاوِيَةِ خِزانَتِي وَيكَأنّها تُعَزِينِي ، تلكَ الشّاهِدَة على كلّ ثَانِية مِن دِفْئِ ذَلِكَ اليَوم ، سَأُعَاقِب هذَا اللّونُ طَوالَ حَياتِي ، كَانَت ذِرَاعَاكَ مَلجَأً مِن ضَوضَاءِ الحَياة ، استِرَاحَةٍ مَلائِكِيّةٍ بَينَ كُلّ ما كَان يَجرِي مِن مُعانَاة ، كَانَت أنَامِلِي تُعانِق ذَقنَكَ بِطَرِيقَةٍ ظَمأَى وَيكَأَنّكَ طِفلِي ، أنفاسُكَ الّتِي دَاعَبَت وجنَتايَ أذكُرُ وَهَجَها جَيّداً ، حَتّى كَتِفُكِ الّتي استَنَدتُ عَلَيه لِأستَنشِقَ عُنُقَك لَم يَكُن وِسَادَةً يَقرُبُ لِلعَادِيّةِ بِشَيء ، كَيفَ السّبِيلُ لِلتّجاوُزِ بعدَ كُلّ هذَا ! .
لِنُوَضّب ذِكرَانا بَعِيداً ، اذهَب بِحُرُوفي النّازِفَةِ هَذِهِ إلَى الجَحِيمِ بَعدَ انتِهَائِكَ مِنها ، ضَع رَسَائِلِي القَدِيمَة فِي سَلّةِ مُهمَلَاتِك ، ابحَث عَن صُورِي الشّغُوفَةِ فِي هَاتِفِك واقْذِفهَا خَارِجَه ، وعَلى وَجهِ الخُصُوص تِلكَ الّتِي كُنتُ أخرُجُ بِهَا أمام الكَامِيرَا لِأدَندِن لَكَ بِصَوتِي الكَئِيب الّذي بِتُّ أكرَهُه مُؤَخّراً ، يبدُو لِلصّمتِ إيقاعاً أَجمَل .
لَيتَ عَقارِبُ السّاعَةِ تُعطِينِي مِن فَضلِها وتَعُود بِنَا حَيثُ البِدَايَة ، غُرَبَاءَ نَجهَلُ هَوِيّاتِنَا ، لِتَبقَى أنتَ كَما كُنتَ ، وأَبقَى أنَا كما انا .
أَلعَنُ قلبِي عَلَى قَولِ كُلّ هَذَا .
الخَمِيس ، الخَامِسَ عَشَرَ مِن تَمّوز
السّاعَة 22:40 مَساءً