بني سلامة ينشر تحليل التقسيم الجغرافي للدوائر الانتخابية

9 يوليو 2021
بني سلامة ينشر تحليل التقسيم الجغرافي للدوائر الانتخابية

وطنا اليوم – في الجزء الثاني من تحليل قانون الانتخاب ينشر أ. د محمد تركي بني سلامة  تحليل تقسيم الدوائر الانتخابية، حيث كان الدكتور بتي سلامة قد نشر عبر وطنا اليوم في على الرابط ( الجزء الأول حول مقترح قانون الانتخاب)

و نشر بني سلامة عبر وطنا اليوم في الجزء الثاني من تحليل التقسيم الجغرافي للدوائر الانتخابية :

يبين تحليل تقسيم الدوائر الانتخابية في الأردن بلغة الأرقام وبالاستناد الى بيانات الهيئة المستقلة للانتخاب الى جملة من الحقائق منها :

أ‌- انخفاض مستوى التمثيل في المحافظات الرئيسية الثلاث في الأردن ( العاصمة عمان ، الزرقاء، اربد ) وهي محافظات بتركز فيها الأردنيين من اصل فلسطيني ، كما انها محافظات يرتفع فيها الانتخاب على أسس حزبية بعيدا عن الهويات الفرعية .

ب‌- ارتفاع مستوى التمثيل في المحافظات( الكرك، الطفيلة، معان ، العقبة ) وهي المحافظات التي يتركز فيها الشرق اردنيين الذين كانوا تاريخيا العمود الفقري للنظام السياسي وربما يتم الحديث الان عن تقليص تمثيلها بحجة المساواة مع بقية الدوائر وهذه مساواة كانت ستكون مقبولة لو كانت ظروف هذه المحافظات متشابهة مع محافظات العاصمة او غيرها فالمساواة تكون بين المتساووين .

ت‌- ارتفاع مستوى التمثيل في مناطق البدو ، وهي المناطق التي تمتاز بالولاء التاريخي للنظام السياسي الأردني . كما أنها مناطق غالبا ما يتم الانتخاب فيها على أسس عشائرية وهويات فرعية وقبلية وترتفع الان أصوات تنادي بإلغاء هذه الدوائر ودمجها مع محيطها الجغرافي بدعاوي الحداثة واستقرار البدو او انتهاء عصر البدواة .

لاشك ان المساواة هي قيمة إنسانية نبيلة ولكن المساواة بين غير المتساووين ربما تسبب الظلم والتهميش والحرمات فمساواة الطفيلة ومعان ومناطق البادية بالعاصمة عمان من حيث التمثيل النيابي بالاستناد الى معيار السكان فقط واغفال المعايير الأخرى هو تفكير عقيم ولا يمكن ان يسوق الا في اطار مشاريع كبرى وعلى حساب الأردن

ب – معدل التباين في تقسيم الدوائر الانتخابية في الأردن

تستند القاعدة الأكثر قبولاً وعلى نطاق واسع لشكل تقسيم الدوائر الانتخابية على انه يجب على الدوائر الانتخابية أن تكون متساوية نسبياً في أعداد السكان، حيث يعتبر التمثيل من خلال تعداد السكان مبدأً أساسيا من مبادئ الديمقراطية، وتعتبر الدوائر الانتخابية المتساوية في أعداد السكان ضرورية إذا ما أردنا أن يتحلى الناخبون بأصوات ذات وزن متساوي في عملية الانتخابات.

يتضح من استعراض نسبة الانحراف في المحافظات المختلفة وفق بيانات الهيئة المستقلة للانتخاب انه كانت أعلى معدلات الانحراف في محافظات ( معان، الطفيلة ) حيث بلغ بحدود (10) الاف ناخب في كلتا المحافظتين وبنسبة انحراف عالية جدا بلغت ( 52%) في محافظة معان و(51%) في محافظة الطفيلة ، تلاها متوسط النسبة في مقاعد البدو في الشمال والجنوب والوسط ( 7738 ناخب ) وبنسبة انحراف بلغت (39%) ، ثم محافظة الكرك ( 7120 ناخب ) وبنسبة انحراف ( 36%) ثم محافظة ( العاصمة) وبنسبة انحراف(30%) والمفرق بنسبة انحراف ( 24%) والزرقاء بنسبة انحراف (18%) ، وهي نسب عالية من الانحراف، وتدل على سوء توزيع الدوائر الانتخابية في المحافظات ذات الكثافة السكانية الكبيرة،

يعد ترسيم حدود الدوائر الانتخابية رابطاً جغرافياً متيناً بين الناخبين وممثّليهم، مما يتيح لهؤلاء الناخبين محاسبة نوّابهم على أفعالهم. كما يبين ترسيم الدوائر الانتخابية مدى المساواة في التصويت من خلال مقارنة نسبة الناخبين على الممثّلين عبر مختلف الدوائر. وقد كان لتوزيع الدوائر الانتخابية في الأردن دورا مهما في الحد من نجاح الأحزاب أو الأشخاص المعارضين للحكومات . ففي انتخابات عام (1989 ) كان هناك (20 ) دائرة انتخابية ، ونظام انتخابي مفتوح ( نظام القائمة المفتوحة (الكتلة) ، مما أتاح للأحزاب الأردنية الإسلامية واليسارية الفوز ب( 37) مقعدا في انتخابات ، وقد تميز برلمان عام (1989 ) بالقوة في تكوينه وفي مظاهره وفي شخصياته السياسية وبذلك كان مزعجا للنظام السياسي .

وبسبب الظروف والمتغيرات المحلية والإقليمية، وظروف عملية السلام في عام (1993) التي تطلبت معارضة ضعيفة لاتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية، عدلت الحكومة من النظام الانتخابي أو وما يسمى بمرحلة الصوت الواحد(1993-2010)، وتلاعبت بتوزيع الدوائر الانتخابية، حيث أعطت المناطق والمحافظات الأردنية ذات الثقل العشائري والمناطقي( الكرك، معان، الطفيلة، العقبة ) وزنا نسبيا اكبر بدرجة التمثيل، فيما أعادت تقسيم بعض الدوائر في المحافظات الأردنية ذات الكثافة السكانية ( عمان العاصمة، الزرقاء، اربد) والتي لها حضور هوياتي وحزبي إلى نسبة تمثيل وزني نسبي اقل، وقد أدت مخرجات تلك الانتخابات إلى تراجع حضور الأحزاب والشخصيات الإسلامية والقومية واليسارية في البرلمان الأردنية على حساب ظهور الشخصيات غير الحزبية وتنامي الهوية القبلية والعشائرية والمناطقية ، وأفضى إلى تشكيل برلمانات فردية قائمة على التمثيل العشائري والمحلي ونواب خدمات ويمارس فيها التجارة والحصول على العقود والصفقات والامتيازات اكثر من الرقابة والتشريع.

وفي عام (2010 ) ابتدعت الحكومة نظام توزيع الدوائر الوهمي حيث قسمت الدوائر الأصلية ال(23) دائرة إلى (93) دائرة انتخابية فرعية ، كان الهدف منها تحطيم قدرة أي حزب على الحصول على نسبة عالية من المقاعد البرلمانية، بالإضافة إلى إفساح المجال أمام الشخصيات العشائرية والشخصيات ذات الخلفيات الوظيفية العسكرية( وهي في معظمها شخصيات موالية للنظام السياسي ) في دخول البرلمان وتسهيل عمل الحكومات الأردنية بعيدا عن أية معارضة حقيقية.

وفي انتخابات عام (2012 ) التي تم فيها إلغاء الدوائر الوهمية الفرعية ، لم تحقق الأحزاب في القائمة الوطنية سوى (10) مقاعد من اصل (27) مقعدا نتيجة كثرة القوائم المرشحة للانتخابات بالإضافة إلى أن هذه القوائم والترشيحات لم تكن مقتصرة على الأحزاب السياسية فقط ٕوإنما كانت مفتوحة من حيث الترشيح على أساس وطني وليس على أساس حزبي. وبالرغم من تعديل قانون الانتخاب لعام 2016 الذي تبنى نظام التمثيل النسبي(القائمة النسبية المفتوحة) إلا أن النتائج التي حصلت عليها الأحزاب كانت عكس ما هو متوقع، ْإذ حصلت الأحزاب على 24 مقعد من أصل (130 ) مقعد، وهذه نسبة متدنية بالنسبة لتمثيل الأحزاب في مجلس النواب الثامن عشر، فبدلا من يقوم هذا النظام بزيادة تمثيل الأحزاب السياسية في مجلس النواب عمل على تقليص التمثيل لهذه الأحزاب

الخلاصة التي نصل اليها في النهاية انه اتسمت العملية الانتخابية في الأردن بالهشاشة وعدم النضوج، فقد أدى استمرار تغيير قوانين الانتخاب والأنظمة الانتخابية وعدم عدالة توزيع المقاعد الانتخابية من ناحية ، واستمرار العبث بالانتخابات من ناحية أخرى إلى فقدان العملية الانتخابية الجدوى والمصداقية، فأصبحت انتخابات بلا ديمقراطية أو حتى مشاركة شعبية واسعة ، كما أدى إنشاء الهيئة المستقلة للانتخاب إلى إضفاء شرعية شكلية أو منقوصة على العملية الانتخابية ، فقد كان من المفترض أن تكون الهيئة مسؤولة عن نزاهة وسلامة العملية الانتخابية ، إلا أن الهيئة لم تكن بمستوى الطموح أو المسئولية، ففقدت الكثير من مصداقيتها ، كما أنها فشلت في بناء علاقات جيدة مع الشركاء الأساسين وخصوصا الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمع الأردني بشكل عام .

وخلال ربع قرن من إقرار قانون الصوت الواحد الذي اتخذ أشكال متعددة ، وما رافقه من تلاعب في تقسيمات الدوائر الانتخابية ، لم تفرز الانتخابات النيابية مجالس نيابية تحظى باحترام وقبول المجتمع الأردني . فقد فشلت كل اللجان والندوات والحوارات الحكومية في التوافق على إيجاد قانون انتخاب عصري ، وتوزيع عادل للدوائر الانتخابية ينص عليه القانون صراحة ، ولم يتم بلورة إطار قانوني كامل يعمل على ضمان التمثيل العادل للمواطنين وضمان استقلالية ونزاهة العملية الانتخابية ومحاسبة العابثين بسلامة الانتخاب، وتعزيز المسيرة الديمقراطية في البلاد

وبدون ادنى شك نقول ان تدخل الأجهزة الأمنية في الانتخابات لم يتوقف عن حد رسم الدوائر الانتخابية او هندسة الانتخابات والتحكم بنتائجها قبل اجرائها وانما تجاوز ذلك الى حد التحكم بسلوك النواب تحت القبة وبروز ظاهرة نواب الالو ، وهي سلوكيات تعكس تغول الأجهزة الأمنية وتفويض نفسها صلاحيات ليست لها وصلت حدود التدخل في كل صغيرة وكبيرة في الحياة المدنية في البرلمان والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات ، لدرجة التدخل في الترقيات الاكاديمية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات ، وهذه سلوكيات لا علاقة لها من قريب او بعيد بوظائف وواجبات واختصاصات الأجهزة الأمنية التي وجه لها الملك عبدالله الثاني رسالة لوقف هذه السلوكيات والتفرغ لمواجهة التحديات الأمنية ورسم دورها في نطاق اختصاصها ، وقبل ان يجف حبر هذه الرسالة كانت الأجهزة الأمنية تشكل لجنة من92 شخصية بقيادة سمير الرفاعي لتحديث المنظومة السياسية في البلاد، وتتحكم بمجريات الحوار والقرار في هذه اللجنة ، كما هو الحال في البرلمان وغيرها من المؤسسات الديمقراطية الهشة ، الامر الذي يكشف عن حقيقة وجدوى لجان الإصلاح في البلاد والدور المنوط بالبرلمان ، واتوقف عند هذا الحد حتى لا يتعرض افراد اسرتي لمزيد من الأذى والمضايقات بسبب كتاباتي و مواقفي السياسية