وطنا اليوم – دخلت الصحافة الورقية الأردنية في نفق مسدود، إذ لجأت أكبر صحيفتين في البلاد إلى بيع مقراتهما لتسديد النفقات ودفع الأجور. ويحمّل الصحافيون الحكومة مسؤولية هذا التدهور من جانبين الأول الرقابة على المحتوى من خلال فرض القيود على النشر، والجانب الآخر هو غياب الدعم الكافي للمؤسسات الصحافية بما فيها الحكومية.
حيث وصلت الأزمة الاقتصادية الحادة التي يشهدها قطاع الصحافة بالأردن إلى درجة أن مؤسسات صحافية بدأت تبيع جزءا من مقراتها من أجل تسديد رواتب موظفيها، فصحيفة “الرأي” ليست الأولى ولن تكون الأخيرة على ما يبدو بحسب ما تشير إليه الأوضاع الحالية.
لكن قرار هيئة مجلس إدارة صحيفة “الرأي” ببيع المبنى الداخلي للصحيفة يعتبر سابقة تاريخية في الصحافة الأردنية، لأن المبنى هو أحد ثلاثة مبان تاريخية تملكها منذ عقود الصحيفة الأولى في الأردن.
وكانت صحيفة الدستور اليومية وهي الثانية في البلاد قد اتخذت نفس القرار قبل أسابيع قليلة وعرضت مبناها الداخلي للبيع أيضا، لتسديد نفقاتها ودفع أجور الموظفين.
وكانت مؤسسة الضمان الاجتماعي صاحبة الحصة الكبرى في الصحيفتين الأقدم والأوسع انتشارا “الرأي” و”الدستور”، قد لوحت بخيار الدمج والهيكلة لتقليص النفقات، وهو ما يخشاه صحافيون نتيجة مخاوف الاستغناء عن خدماتهم، إذ أكدت مصادر مطلعة أن قوائم يجري حصرها كخطوة أولى لإعادة الهيكلة تستهدف العاملين المتعاونين مع مؤسسات أخرى.
وتقول مصادر أردنية إن صحيفة الغد اليومية الخاصة تبحث عن مشتر، بعد أن استغنت عن العديد من الكُتاب لديها.
وتحمل الصحف الحكومات المتتالية مسؤولية التقصير في دعم قطاع الإعلام بشكل عام، خصوصا خلال الأشهر الماضية، بعد تعطيل صدورها لأكثر من شهرين، بذريعة احتمالات نقل عدوى الفايروس عبر النسخ الورقية.
راكان السعايدة: نحن نحتاج إلى توضيح معنى «الأكثر تضررا» وأثره على الصحف
راكان السعايدة: نحن نحتاج إلى توضيح معنى “الأكثر تضررا” وأثره على الصحف
وأشار مكرم الطراونة رئيس تحرير صحيفة “الغد”، إلى أن أزمة الصحف بدأت منذ عام 2011 بعد الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي التي حازت حصة كبيرة من حصص سوق الإعلانات التجارية، خصوصا أن كلفة الإعلان في تلك المواقع قليلة مقارنة مع الأسعار في الصحافة الورقية التي تلتزم بتسعيرة محددة.
لكن الكثير من الصحافيين والعاملين في القطاع يرون أن المسألة تتجاوز الدعم الحكومي والخسائر المالية، فثقة القراء بصحافة بلادهم في أدنى مستوى، والمواطن الغارق في البحث عن تأمين مستلزماته اليومية، لن يدفع قيمة صحيفة لا تمثله ولا تتحدث عن مشاكله وهمومه، وحتى أبرز الأخبار التي تشغل الرأي العام يلاحقها مقص الرقيب وقرارات حظر النشر.
وفي أكتوبر الماضي، رفعت الحكومة الأردنية، ممثلة بـ”الحق العام”، قضية على صحيفة “الغد” اليومية، على خلفية نشرها تقريرا على موقعها الإلكتروني يتعلق بفساد مسحات فحص فايروس كورونا.
وتسبب الخبر الذي انتشر سريعا بانتقادات لاذعة للحكومة، واتهامات من المواطنين بالإهمال. وعلى إثر ذلك، نفت وزارة الصحة الأردنية الخبر، وتوعدت بمحاسبة المسؤول، مشيرة إلى تحويل القضية إلى النائب العام.
ورأى البعض أن هذه الحادثة إضافة إلى الكثير من الحالات المماثلة دفعت الصحافيين ووسائل الإعلام إلى ممارسة نوع من الرقابة الذاتية وتجنب المواضيع التي تثير الجدل وتتسبب بمساءلتهم ومقاضاتهم، لتكون النتيجة صحف خالية من المحتوى الذي يبحث عنه القراء.
كما انتقد آخرون طريقة تعامل الحكومة مع ملف الصحافة الورقية، إذ تأرجح تصنيف المؤسسات الصحافية على قائمة المؤسسات ألأكثر تضررا من جائحة كورونا، وتنتظر الصحف الورقية معرفة حدود قرار شمولها بالمنشآت الأكثر تضررا، بعد قرار سابق بشطبها من قائمة القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأكثر تضررا.
وعادت مؤسسات الصحافة الورقية في أكتوبر الماضي إلى القائمة التي أعلنها وزير العمل ووزير الدولة لشؤون الاستثمار معن القطامين، للقطاعات الأكثر تضررا من آثار جائحة كورونا، لكن الدعم الحكومي المفترض تقديمه لهذه المؤسسات بقي مجهولا.
وقال نقيب الصحافيين راكان السعايدة “نحتاج إلى توضيح وتفسير لمعنى الأكثر تضررا وأثر ذلك على الصحف الورقية، ففي تفسير هذا المعنى سيتضح لنا الأثر من التصنيف، فيما إذا كانت الأكثر تضررا أنه سيكون لها دعم لمساعدتها على تجاوز أزماتها المالية، وهذا بطبيعة الحال محل تقدير واحترام كامل”.
وأضاف السعايدة “لكن إن كان القصد من هذا التصنيف تمكين إدارات المؤسسات من تخفيض رواتب العاملين بالصحف من صحافيين وفنيين، فهذا أمر مرفوض، لاسيما وأن العاملين بالصحف منذ أشهر يتقاضون رواتبهم بشكل غير منتظم ورواتبهم أصلا متآكلة، وإذا كان هذا هو التوجه فنحن نؤكد أنه مرفوض”.
وزادت تساؤلات السعايدة من الغموض لدى الصحافيين وفاقمت مخاوفهم وبات واضحا أن لا أحد يعرف مصير الصحافة الورقية.
ورأى صحافيون أن توجهات حكومة بشر الخصاونة تشير إلى الإجهاز على الصحافة الورقية ومعاناة كارثية للصحافيين في ظروف العمل في مؤسسات الدولة التي باتت تتعسف في قراراتها ضد العاملين في المؤسسات الإعلامية التي يفترض أنها السلطة الرابعة في الدولة، لكنها مغيبة في ما يخص حقوقها رغم أنها تؤدي كامل واجباتها.
* رصد