وطنا اليوم:وسط العاصمة الجزائر، وبالضبط في مركز تصويت “متوسطة باستور”، غير بعيد عن نقطة اندلاع شرارة حراك الجزائر الشعبي، بدأ الجزائريون اليوم الأحد، الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في التوافد للتصويت على النسخة الجديدة من الدستور، التي وعد به رئيس البلاد عبدالمجيد تبون في حملته الانتخابية.
وبما أن اليوم الأحد يصادف يوم العطلة الأسبوعية في الجزائر، بدت “متوسطة باستور” في الساعات الأولى من انطلاق الاستفتاء خاويةً إلا من بعض الناخبين الذين اختاروا التصويت في الفترة الصباحية.
ويطبع الاستفتاء الدستوري الحالي في الجزائر ظروفاً استثنائية، فالرئيس تبون خارج البلاد بسبب أزمة صحية، كما أن جائحة كورونا حدَّت من العملية الانتخابية في ظل حالة الإقفال الاستثنائي التي تعيشها الجزائر.
استفتاء بين الشيب والشباب
ففي يوم الثورة، اليوم الذي ثار فيه الجزائريون على المستعمر الفرنسي، مشى العم محمد، الرجل السبعيني ببطء يتوكأ على عصاه، وهو أول من صادفناه يلج “متوسطة باستور” للإدلاء بصوته في الاستفتاء الثامن الذي تشهده الجزائر، منذ ذلك الأول الذي نالت به استقلالها في يوليو/تموز 1962.
رفض العم محمد التعليق على رأيه في النسخة الجديدة من الدستور، لكن ما أكده أنه لم يتخلّف يوماً عن أي انتخابات في البلاد، ويصر أحياناً على التصويت بنفسه ودون وكالة حتى عندما تسوء حالته الصحية، باعتبار ذلك واجباً وطنياً.
وإذا كان الرجل السبعيني يرفض الإدلاء برأيه علناً، فللشباب منطق آخر، التعبير عن الرأي أمام الجميع أهم من الأصوات التي ستختزنها صناديق الاقتراع، والتي من المنتظر أن تظهر نتائجها مساء اليوم بعد بدأ إقفال مراكز التصويت.
علي شاب عشريني لا زال يحمل همَّ الحراك، قال إن الاستفتاء الذي يصوّت عليه الجزائريون اليوم هو انقلاب على مطالب الحراك، شأنه شأن انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2019 التي فاز بها الرئيس عبدالمجيد تبون.
علي اختار أن يقاطع التصويت ويقف بعيداً عن مركز الاقتراع في العاصمة الجزائر، وسط ساحة كانت قبل أشهر مركز تجمّع الغاضبين من نظام الرئيس بوتفليقة ومن الولاية الخامسة، مؤكداً في حديثه أن عودة المسيرات أمر ضروري في الوقت الحالي رغم كل شيء.
علي ليس وحده الرافض للاستفتاء الدستوري، فعدد من نشطاء الحراك عبروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضهم للدستور، سواء عبر المقاطعة أو التصويت بـ”لا” إذ كتب أمين بن جودي، مصور وناشط في الحراك: “دستوركم هو رحيلنا”، في الوقت الذي نشرت فيه آمال حداد، ناشطة في الحراك: “راهي تبان ولا نزيد نكبرها: لن أنتخب”.
ثامن استفتاء في تاريخ الجزائر.. ماذا بعد؟
يُعد الاستفتاء الذي تشهده الجزائر، اليوم الأحد، هو ثامن استفتاء في تاريخ البلاد، حيث سيدلي نحو 25 مليون ناخب بأصواتهم، بعد حملة استمرت 20 يوماً، استعرضت فيها أحزاب الأغلبية قوتها وحاولت التعبئة من أجل التصويت بنعم.
عبدالعزيز جراد، الوزير الأول في الحكومة الجزائرية، رسم صورة وردية حول الاستفتاء الدستوري والحدث الذي تشهده البلاد، خلال إدلائه بصوته، في تصريح للصحافة، مؤكداً أن اليوم سيكون مشهوداً لمستقبل الجزائر الذي يتمناها الجميع، والكلمة الأخيرة والفصل هي للشعب في الأخير.
بالمقابل أكد رئيس البرلمان سليمان شنين أن يوم الاستفتاء يعدّ مكسباً من مكاسب الحراك الشعبي الذي أطاح بالعهدة الخامسة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
أيضاً، أدلت السيدة الأولى في الجزائر بصوتها بالنيابة عن زوجها الذي يرقد في مستشفى بألمانيا قصد العلاج، بعد إصابته بوعكة صحية، اضطر بسببها إلى مغادرة البلاد.
وسمحت السلطات الجزائرية للمواطنين بالإدلاء بأصواتهم باستعمال بطاقة الهوية الخاصة، أو بطاقة السياقة، أو جواز السفر، وليس ضرورياً الحصول على بطاقة الناخب، وذلك بغرض رفع المشاركة في الاستفتاء الدستوري.
الجهود التي بذلتها السلطات، والآمال التي أعلنت عنها أسماء سياسية بشأن نتائج الاستفتاء الدستوري خيبتها نسب المشاركة في الاستفتاء المؤقتة، التي أُعلن عنها في الساعة 11 صباحاً، والتي وصلت إلى نحو 5.88%، حسب ما أعلن عنه رئيس السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات، محمد شرفي.
وتتوقع اللجنة الوطنية لتنظيم الانتخابات أن تصل نسبة المشاركة في الاستفتاء الدستوري إلى 40% عند إقفال صناديق الاقتراع في الساعة الخامسة مساءً.
احتجاجات المعارضين
وتزامناً مع عمليات التصويت، خرج مواطنون وناشطون جزائريون، في مسيرات رافضة للاستفتاء تعديل الدستور الأخير، وذلك بكل من مدينة خراطة في بجاية شرقي البلاد والتابعة لمنطقة “لقبايل”، رافعين شعارات تُطالب بالتغيير الجذري، وإطلاق سراح معتقلي الرأي، بالإضافة إلى إرساء نظام حقيقي يتأسس على الشرعية الشعبية.
وفي ولاية البويرة أيضاً التابعة لمنطقة “لقبايل” اقتحم بعض الرافضين للاستفتاء الدستوري مراكز الاقتراع، وقاموا بتخريب الصناديق التي كانت مخصصة للتصويت، في المقابل امتدت المسيرات إلى ولايات أخرى مثل قسنطينة التي خرج فيها عدة ناشطين وهتفوا من أجل الدولة المدنية، وإلغاء سلطة العسكر، وتدخله في السياسية.
أيضاً اندلعت مواجهات بمدينة بومرداس لقبايلية، بين الرافضين لمشروع تعديل الدستور وقوات الأمن التي أطلقت الغاز المسيل للدموع في وجه المحتجين لتفريقهم.
الاحتجاجات والرفض للدستور لم يكن في أرض الواقع فقط، بل تصدر وسم على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” منذ الساعات الأولى من اليوم الأحد في الجزائر يدعو فيه الرافضين للتعديلات الدستورية إلى التصويت بـ”لا”.
واستمر المغردون في الدعوة إلى التصويت بـ”لا” على دستور 2020، مؤكدين أن هذا الأخير يحوز مواد تهدِّد الهوية وتمنح صلاحيات ملكية للرئيس، وذلك بمشاركتهم لصور توثق عملية تصويتهم الرفض.
بين مؤيد ومعارض هل سيمر الدستور في الجزائر؟
وبخصوص الجدل الواقع بين المواقف تجاه الدستور يتوقع رضوان بوهيدل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر 3، في حديث أن تميل الكفة لدعاة التصويت بـ”نعم” وهم الذين يحوزون الأغلبية بدعم لا بأس به من مختلف الأحزاب، منها حزب جبهة التحرير الوطني، وحركة البناء وجمعيات أخرى من المجتمع المدني، مضيفاً في ذات السياق أن السلطة تراهن على استقطاب كتل أخرى من رافضي مسار انتخابات 12 ديسمبر/كانون الثاني 2019، الذي أوصل الرئيس تبون إلى سدة قصر المرادية.
بوهيدل تحدّث أيضاً عن صلاحيات رئيس الجمهورية مؤكداً أن السلطة من حقها تقوية وضعها مع التخفيف من صلاحيات أخرى بغرض خلق التوازن وهو ما حدث في دستور 2020، مضيفاً أن المرور نحو نظام برلماني قد يخلق نوعاً من الانسداد، الأمر الذي سيؤدي إلى غياب طبقة سياسية قوية ببرامج حقيقية.
واستبعد بوهيدل اللجوء إلى التزوير خصوصاً أن الرئيس كان يستطيع تمرير الدستور بالمصادقة البرلمانية وهو حق قانوني مكفول له.
ترجيح كفة تصويت الجزائريين بـ”نعم” أكدها نائب رئيس حركة البناء، أحمد الدان، الذي كشف أن حزبه قرر التصويت بالإيجاب بسبب عدة نقاط يراها، منها تحرير قطاع العدالة من سلطة الإدارة عبر تعزيز صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء الذي يعدّ مجلسا منتخبا.
ويضيف الدان أن رئيس الحكومة في الدستور الجديد أصبح يعيّن من داخل البرلمان سواء كان من أغلبية برلمانية أو حزبية وهذا بعد أن كان يُعيّن بمزاج رئيس الجمهورية.
وأشار المتحدث إلى أن تشكيلته السياسية رأت أن لجنة صياغة الدستور استجابت لنسبة كبيرة من التحفظات التي قدمتها بشأن حماية الثوابت الوطنية والإسلام والقيم والحريات وتحرير الفعل السياسي من الأحادية، وهو ما جعل حركة البناء تغيّر موقفها بالكامل من الرفض إلى الموافقة.
وبخصوص الصلاحيات الملكية لرئيس الجمهورية التي أثارت جدلاً واسعاً طيلة السنوات السابقة، يعتقد نائب رئيس حركة البناء أن الدستور الجديد حاول التقليص منها مقارنة بسابقه في 2016، وغير منها الكثير، إلا أن ذلك ما يزال غير كافٍ ولا يرضي حزبه الذي يعد أحد أبرز الأحزاب الإسلامية في البلاد.
ومقابل الأحزاب الداعمة للدستور تجتمع عدة أحزاب أخرى، منها إسلامية تحت لواء رفض الدستور، وتراه يخدم التيار العلماني في الجزائر ويهدد الوحدة الوطنية، هذه الأحزاب كانت قد اشتكت في وقت سابق منعها من تنظيم تجمعات تروج فيها لفكرة التصويت بـ”لا” على عكس الأحزاب التي أيدت الدستور والتي نشطّت لقاءات طيلة فترة الحملة الانتخابية.
ويرى القيادي في جبهة العدالة والتنمية زكرياء شرفاوي أن رفض حزبه للدستور جاء من منطلق تحفّظه على لجنة صياغته التي لم يراعَ فيها لا التوافق ولا التنوع الأيديولوجي الموجود في الساحة السياسية، الأمر الذي ولّد نصاً تشريعياً أكسب الرئيس صلاحيات ملكية، وغيّب آليات الرقابة السياسية على نظام الحكم.
أما بخصوص تحويل رئاسة المجلس الأعلى للقضاء من وزارة العدل إلى المحكمة العليا فيشدد شرفاوي على أنه لا يختلف كثيراً عن السنوات السابقة على اعتبار أن رئيس المحكمة العليا يعّين من قبل رئيس الجمهورية.
ويقول عضو المكتب الوطني لجبهة العدالة والتنمية إن الحراك الذي أطاح بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة واستمر لأكثر من سنة يستحق دستوراً أفضل من هذا الأخير، الذي لا يلبي طموحات الشعب الجزائري في إرساء نظام سياسي حقيقي يستند إلى شرعية شعبية حقيقية.