بقلم-د. عادل يعقوب الشمايله
كلمة قلمت الاولى من تقليم الشجرة. أي قصقصة وازالة الاغصان والاوراق الذابلة والمكسورة وغير النافعة.
وقلمت الثانية من القلم. أي كتبت. “ن، والقلم وما يسطرون”، “الذي علم بالقلم”.
معنى العبارة اعلاه، ان الحضارة الانسانية بمكونيها: الثقافة من جهة، والاختراعات العلمية والتكنلوجيا بدائيها وحديثها من جهة اخرى، قلمت عندما قلمت. اي ان ما توارثته الاجيال شفاهة وعن طريق حاسة النظر، منذ سار الانسان بنموذجه الحالي على الارض، وحتى بداية التدوين، قد غُربلت عندما شُرِعَ في كتابتها.
ظلت الحضارة الانسانية تُقلَمُ باستمرار، اثناء وبعد تقليمها اي كتابتها. فقد تطورت الاديان، والغى بعضها بعضا، كما الغت نظريات علمية بعض نظريات علمية سبقتها، وتطور الشعر، و علم الفلك، والفنون، كما تطورت ادوات الانتاج من الحجر الى الحديد والنحاس، الى المحراث والمنجل الى التراكتور والحصاده، ومن الكتابة الجميلة باليد الى الطابعة ثم الى الكمبيوتر. ومن النار الى البريمرس الى فرن الغاز. كل اختراع يلغي ويسخف ما كان لفترة سابقة مذهلا.
إذن، التغير والتطور في الاتجاهين الى الامام او الى الخلف سنة كونية وجوبية. ومن يتغافل عنها او يسير عكسها تدوسه دواليبها ويخرج من التاريخ.
فلقد اخرجت الكنيسة الكاثوليكية المتعنتةُ، بلاد الاغريق والدولة الرومانية من التاريخ الحيوي لعدة قرون، بعد قرون من الابداع في كافة المجالات ارست قواعد الحضارة الغربية العالمية المعاصرة.
اضهدت الكنيسة والسلطة الرسمية المتوافقة معها رسل العلم، وفسحت المجال لصناع الاساطير والخرافات ومُقدِسيها. وعندما غُيرت وغيبت سلطة الكنيسة وذوت هيمنتها، عادت الروح الى اوروبا وخرجت من قرون الظلام التي صنعتها خيمة تكفير العلوم والعقول المخصية. وهذا ما حدث لليابان ايضا عندما قرر الامبراطور فتح نوافذ بلاده للعلوم الغربية فنهلوا منها ثم صاروا مشاركين فيها وشركاء.