ليس من العيب أن تمتدح من يستحق أن يمدح

22 مارس 2021
ليس من العيب أن تمتدح من يستحق أن يمدح

بقلم: د. عادل يعقوب الشمايله

اتصف ٩٩٪؜ من مقالاتي منذ التسعينات من القرن الماضي ولحد الان، بالانتقاد الجرئ البناء. كنت اكتب في صحيفتي الرأي والدستور. الا أن زاويتي في صحيفة شيحان والتي كانت تحمل عنوان “مغالطات” كانت المنبر الرئيسي. ولولا أن سقف شيحان كان يخرق السحاب، لما نشرت معظم مقالاتي فيها. ومن بين مئات المقالات التي نشرتها، لم اكتب مدحا سوى لاربعة اشخاص فقط هم:
⁃ بوذا الاردن، طاهر المصري، الارستقراطي الذي اختار ان يكون ابن الشعب، يهتف معه، ويتذمر معه، وأن يكون واعظ السلطة، وعلى خلاف مع الثعالب التي تلبس لباس الواعظينا. طاهر المصري، الذي اختار ان يُبقي ابوابه مفتوحة للتواصل مع الناس، وأن يكون عقله منفتحا على تلاقح الاراء والافكار. ورغم عمره المديد لم تكل يداه عن حمل “الدربيل” حينا، والتلسكوب احيانا اخرى ليقوم بدور زرقاء اليمامة خير قيام. أخلص لوطنه، فأحبه معظم الناس، وأنا من بينهم. وظل حبي له عذريا.
⁃ سامي قموه. مدير الموازنة الحالم، المُطَور، المستعصي، المتمرد، المستقيل للوطن بدون ندم وبدون ألم. كان سامي بذاراً ماهراً وحراثا. يبذر الوطنية ويحرث الارض حتى لا تسرق العصافير البذور، ثم يستغرق في صومعته حينا يستسقي المطر، ليخرج بعدها ينظف قنوات الري. مالي سياسي وطني يرفض الفشل عندما كان مديرا ثم وزيرا. تعلمت من سامي قموه الكثير، ومكنني من تعلم ما هو اكثر. مكنني ان افتح قاصات المعرفة، وزودني بملح البارود لنسفها إن استعصت على الفتح.
⁃ جمال الصرايره. الرجل الصارم، المتمرد، المُنجز. رجل النجاحات، ورجل العطاء. اول مسؤول ادرك مفهومي المسؤولية الاجتماعية، والتنمية المستدامة. طموح، وطموحه مشروع ومفيد. تلميذ نجيب مثابر ليكون المُعَلِمَ العَلَم. ترك بصمات حيث حل، وقادر ان يترك بصمات اخرى تكتب له في تاريخ الوطن. رغم صرامته التي ذكرت آنفا وتجهمه احيانا، فالجميع يعرف روحه المرحة، وجاذبيته، وتقربه من الناس بخطى اوسع من تقربهم إليه. وهو لا يبخل في مساعدة الآخرين دون مِنةِ. ولا يتردد في تغيير رقم هاتفه اذا كان في وضع لا يسمح له بتقديم المساعدة، حتى لا يكسف قاصديه الذين لا يلتمسون له عُذراً.
⁃ وصف عازر. لم اكتب عنه من قبل. ولذلك لم أُوفهِ بعض حقه. اول استاذ تدربت على يديه في الحياة العملية. رجل يسحرك بلطفه، بديناميكيته التي لا تفتر، لا تملك الا أن تحبه. لا تملك الا أن تقلده. لا تملك ان تتغيب عن محاضراته العملية سواءا وهو جالس يكتب، ويدقق وينتقد ويوجه. وحتي حين يذرع الكاريدورات ليتابع عمله دون مراسلين ولا ازرار تكبس، ليعلمك ان لا تكون باش كاتب، وأنك مثله لست فوق ” رئيس قلم” حسب المسلسل السوري.
⁃ عَمَقَ فيَّ حَبَ الكتاب. لأنه من عشاق الكتاب ومن سدنة المعرفة، وتعلم على نفسه اكثر مما تعلم في المدارس.
⁃ واصف عازر الذي وَرِثَ دائرة الاحصاءات العامة من الخبراء الاجانب المؤسسين، فعربها وأردنها، واثراها وورثها بعد ذلك لمن دربهم، لتكون الذاكرة للماضي، والمصباح بيد المخططين للمستقبل.
⁃ واصف عازر عرابُ اول خطة تنمية اقتصادية تُنجز، وهي خطة التنمية الثلاثية التي هدفت الى إعادة بناء ما هدمه هابيل وقابيل خلال الاعوام ١٩٦٨-١٩٧٠. ولتكون اساسا صلبا لطوابق أعلى واحدث واجمل.
⁃ واصف عازر الذي في عهده “ربحت شركة الفوسفات” وأمدت الخزينة في سنة واحدة بخمسين مليون دينار، عندما كان الدينار دينارا.
⁃ واصف عازر، المفكر والمنظر والتقدمي، لك الف تحية، وآمل ان تصلك الألف تحيةٍ مني رغم انقطاع التواصل معك منذ اكثر من عقدين من الزمان.
⁃ واصف عازر، اسمح لي أن أفشي لك سرا لا تعرفه لحد الان، رغم أنك خبير في الاحصاء. لقد كان لك الفضل الاول الذي لم أنساه واخبرت به ابنائي حتى يتعلموا، وحتى يَظلونَ يَذكروك. أنت صاحب الفضل الاول في أنني املك ما أملك، وما يمتلكه آخرون، ممن وصلهم الشعاع. إنه فضلُ القدوة، فضلُ المصباح، فضلُ الرائد والمبتكر.