بقلم الدكتور ماهر الحوراني
خلال السباقات الانتخابية تستخدم الأحزاب شعارات غريبة ، لا نجد علاقة مباشرة ما بينها وبين طروحات تلك الاحزاب وبرامجها ، ولكن لا بد أن يكون هناك قصص وراء اختيار هذه الشعارات المتداولة . ولعل من أكثر الشعارات لفتا للأنظار هو الحمار الذي يعتمده الحزب الديمقراطي الأمريكي ، والفيل الذي يمثل الحزب الجمهوري ، فما القصة وراءهما؟.
بالنسبة للفيل لم يتحول الى شعار سياسي للجمهوريين إلا عام 1870 عندما قام الرسام الكاريكاتوري الأمريكي الشهير توماس ناست بالتعبير عن تذمره مما وصفه بخروج الحزب الجمهوري عن قيمه الليبرالية واختصر الحزب في رسم كاريكاتوري لفيل ضخم مذعور يحطم كل ما تطؤه قدماه كتب على جسمه عبارة (الصوت الجمهوري) ومنذ ذلك الحين تحول الفيل الى شعار للحزب الجمهوري.
قال ناست انه اختار الفيل الضخم للدلالة على كثرة المال لدى الجمهوريين إضافة الى صوتهم الانتخابي الوازن وظهر الفيل كشعار للحزب الجمهوري لأول مرة في دعاية سياسية مساندة للينكولن في هذه الانتخابات التي فاز بها فعلا، لكن الفيل لم يتحول الى شعار سياسي الا عام 1870.
اما بالنسبة للحمار فعلى الرغم من انه في العالم العربي لا يحظى سوى بنظرات العطف والشفقة من قبل البعض وضربات العصا القاسية من البعض الاخر، فانه في الولايات المتحدة تحول إلى أيقونة سياسية وعلامة تجارية تدر مئات الملايين من الدولارات . نعم ، فالحمار الذي يتخذه الحزب الديمقراطي الأمريكي شعارا له ، تحول إلى رمز للثورة والتمرد منذ عقود طويلة . قصة الحمار مع الديمقراطيين بدأت سنة 1828 عندما اختار المرشح الديمقراطي لخوض سباق الرئاسة آنذاك أندرو جاكسون شعار« لنترك الشعب يحكم » ، وسخر منافسه الجمهوري كثيرا من هذا الشعار ووصفه بأنه شعبوي ورخيص ، فما كان من جاكسون إلا أن اختار حمارا رمادي اللون جميل المظهر وألصق على ظهره شعار حملته الانتخابية وقاده وسط القرى والمدن المجاورة لمسكنه من أجل الدعاية لبرنامجه الإنتخابي « الشعبوي » ضد منافسه الذي كان يظهر على أنه نخبوي وليس قريبا من هموم الناس.
إلا أن الحمار لم يتحول إلى رمز سياسي للحزب الديمقراطي بشكل واسع النطاق سوى سنة 1870 ، عندما عمد رسام الكاريكاتير توماس ناست الذي كان يعمل لصالح مجلة هاربر الأسبوعية إلى اختيار حمار أسود اللون « عنيد » کرمز للحزب الديمقراطي يتبارز مع فيل جمهوري مذعور . ومنذ ذلك الحين أصبح الديمقراطيون يفخرون بحمارهم ، بل ويدللونه عبر تنظيم مسابقات لرسم أفضل بورتريه له وإطلاق أفضل الشعارات السياسية التي يمكن أن ترافق صورته.
لقد استذكرت ذلك في الحقيقة عندما لفت انتباهي بوستر نشر على وسائل التواصل الاجتماعي (فيس بوك) وهو يصور حمارا مرفوعا فوق مبنى مع تعليق (من الصعب ان يتم انزال من تم وضعهم في غير أماكنهم الحقيقية) فهل يا ترى نحن نظلم الحمير مع ان لها صفات يعجز البشرعن تحقيقها؟!!.
لقد ان الأوان لنا في بلادنا ان ننفذ اصلاحا سياسيا ضمن منظومة واستراتيجية متكاملة تقودها الدولة بالدعم المادي واللوجستي لافراز أحزاب قوية لها برامج واضحة على الأرض (واقعية) تخدم المجتمع وتؤسس لاستراتيجية الأردن 2031 وتقوم هذه الأحزاب بافراز نواب على مستوى عال من العلم والثقافة يتسلحون بدعم احزابهم في تحقيق برامجهم ويقومون بالرقابة الفعلية على الحكومة.ويكون من اهم واجباتهم الاشراف على تعيين المسؤول المناسب في المكان المناسب ورقابة هذا المسؤول رقابة دائمة بحيث يصبح جميع المسؤولين يحسبون الف حساب لقراراتهم وافعالهم وهذا سيؤدي حتما لتغيير منظومة العمل ونرتقي لمصاف الدول المتقدمة وننجح في قيادة البلد لبر الأمان.
ولا بد ان ننظر هنا لتجارب الدول الأخرى سواء المتقدمة مثل أمريكا وأوروبا والصين وروسيا واليابان وبعض الدول الأخرى مثل ماليزيا وسنغافورة كيف استطاعت ان تنجح وتحارب الفساد وتتقدم بقوة عن طريق الإصلاح السياسي الحقيقي حتى الدول التي لا تتمتع بموارد وامكانيات مثل اليابان مثلا.
أعتقد ان هذه الأمثلة وغيرها الكثير تعبر عن واقع أليم نعيشه في معظم الدول العربية ومثال على ذلك وضع الانسان غير المناسب في المكان الذي لا يستحقه مما يؤدي الى فشل وفساد حتمي في إدارات الدول وبالتالي فشل المنظومة الإدارية مما يؤدي الى افلاس الدول وهذا ينطبق على جميع الشركات والمؤسسات العامة والخاصة. كما ان الارتجال في القرارات دون دراسة معمقة للاثار والنتائج قد يتسبب بكوارث نحن في غنى عنها كموضوع الحظر بمواجهة انتشار جائحة ” كورونا ” وما يسببه من تدمير للاقتصاد والتعليم وغيرهما من القطاعات ، رغم ان هذه كلها حلول مؤقتة لا تغني ولا تسمن من جوع ، والحل الجذري هو بالتطعيم (تطعيم 65% من المجتمع على الأقل) ، ويجب على الناس ان يصحوا من الغيبوبة و يتبعوا اشد اجراءات الوقاية و يقبلوا على التطعيم وعدم الالتفات للشائعات الغبية من اضرار المطعوم فالعدو الذي نواجهه ” كوفيد عشرين” عدو ذكي يتحور ليقتل اكبر عدد من الناس لذلك نرجو من الجميع الوعي لنعود لحياتنا الطبيعية ، ودعم هذا الحل يكون بفتح الباب للقطاع الخاص لاستيراد المطاعيم من الشركات العالمية المعتمدة من مؤسسة الغذاء والدواء (فدائما الأنجع إيجاد الحلول الدائمة الجذرية).
لا شك ان المسؤول الكفؤ يملأ الكرسي والمنصب ويزيد وبالمقابل ترى البعض الاخر ممن يتم رفعهم لاماكن ومناصب لا يستحقونها وهذا يؤدي الى دمار المؤسسة لان هذا المسؤول لا يتمتع بالكفاءة اللازمة لوضع استراتيجية عملية لمؤسسته ليضمن النجاح وتحقيق النتائج المرضية، وانما يصب جل اهتمامه للحفاظ على الكرسي ولو كلفه الامر للإطاحة بالكفاءات الموجودة في مؤسسته ليضمن عدم المنافسة له وعدم كشف عيوبه فلا تستطيع ان ترى الا كرسي وتحتاج لمجهود كي ترى الكائن المتمسك بهذا المنصب.
انها القصة القديمة الجديدة .. قصة الرجل المناسب في المكان المناسب ..أو المسؤول المناسب في المنصب المناسب ..فاذا كان التناسب قائما بين المسؤول والمنصب فان الكثير من الظواهر السلبية والفساد والمفسدين والواسطة و المحسوبية والشللية تسقط ويطفو على السطح الانجاز تلو الانجاز .
وهذا رد على من يتبجحون باننا دولة ليس لديها إمكانيات ومواردنا محدودة متناسين ان لدينا موارد بشرية هائلة وكفاءات متميزة في شتى المجالات والموارد المالية والإمكانات نصنعها نحن عندما تتوفر الإرادة والصدق والشفافية والانتماء للوطن.
لذلك علينا ان نخلق منظومة قوانين وتشريعات وخطط وأساليب عمل تستثمر امكاناتنا البشرية وتوظفها في مكانها المناسب، وتكريس مبدأ الشراكة بين القطاع العام والخاص بشكل واقعي وحقيقي وليس شعارات لان تطبيق هذا المبدأ يعتبر احد الحلول المهمة لحل معظم المعضلات والمشاكل الاقتصادية التي تواجه البلد لان القطاع العام لديه الإمكانيات والقطاع الخاص لديه المرونة وسرعة الحركة والقدرة على التسويق وتطوير المشاريع بحيث تصبح منتجة حيث ان العقلية بالقطاع الخاص قائمة على مبدأ الربح، ومثال على ذلك الشراكة بين المستشفيات التابعة للجيش او الحكومة مع الجامعات الخاصة لتأسيس كليات طب وطب اسنان مثلا.
انها سياسة الاعتماد على الذات التي دعا اليها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم والتي نعتمد بها على قدراتنا ومقومات الإنتاج التي نمتلكها على ارض الواقع بالاعتماد على الكفاءات البشرية المتميزة (اختصاصا وقيما وسلوكا وانتماءً) مع شرط تدريب هذه الكوادر على اعلى مستوى فني وعملي وسلوكي ، وبذلك نستطيع باذن الله ان نحلق عاليا في ظل قيادة هاشمية مظفرة لها رؤية ثاقبة في شتى المجالات.