وطنا اليوم:تتدحرج الاعترافات والإقرارات الرسمية في الأردن كما لم يحصل من قبل على خلفية الحملة الأمنية الخاصة بالقبض على رواد البلطجة وزعران الشوارع والأندية الليلية وتجار المخدرات وفارضي الأتاوات، حيث المزيد من الاعترافات والإقرارات المباغتة والمفاجئة وكشف المزيد من الأسرار عبر مسؤولين سابقين في وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية.
وكان آخر راكبي موجة تلك الإقرارات العميد المتقاعد زهدي جانبيك، وهو مدير سابق ومشهور للأمن الوقائي كشف النقاب عبر منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به عما حصل معه عندما كان مسؤولا عن الشرطة السياحية، مؤكدا أن ثمانية أشخاص فقط كانوا يفرضون الأتاوات على نحو 108 منشآت سياحية مسجلة في وزارة السياحة ووزارة الداخلية تحت بند الأندية الليلية، ويتقاضى كل من هؤلاء، حسب العميد جانبيك، 80 ألف دينار شهرياً على الأقل كدخل ثابت جراء تلك العلاقة المشبوهة وغير المسبوقة مع أصحاب الأندية الليلية.
وفيما كشف العميد جانبيك هذه المعطيات والمعلومات، التي نقلتها وسائل اعلام ، لم يقل للرأي العام ما هو الإجراء الذي اتخذه عندما كان مسؤولا عن الأمن الوقائي بخصوص المسائل الغريبة التي كشف النقاب عنها في وقت متأخر جدا وبعد سنوات من مغادرته منصبه. فلم يقل العميد ما إذا كان قد تصرف ضمن القانون للحد من نفوذ هؤلاء الثمانية فيما التلميح مباشر إلى أن هؤلاء الأشخاص يضطرون أصحاب الأندية الليلية المسجلين كمنشآت سياحية للتعامل معهم مقابل تأمين الحماية لهم بمعنى عدم الاعتداء على أنديتهم ومنشآتهم.
ويثبت ذلك عمليا أن أصحاب هذه الأندية والمنشآت كانوا يدفعون أتاوات وغرامات مالية غير قانونية قسرا، فيما لم تكن السلطات الأمنية تفعل شيئا بالمقابل.
وقبل ذلك وبعد ظهر الثلاثاء، كشف الأمين العام الأسبق لوزارة الداخلية الأردنية الذي عمل بوظيفة حاكم إداري عدة مرات، وهو الدكتور رائد عفاش العدوان عن اتصالات ضغط عليه بموجبها وزير داخلية سابق لكي يضمن تكفيل أحد المطلوبين بعد الاعتداء على رجال الأمن.
ويبدو، أن العدوان كشف النقاب أيضا في اعترافات متأخرة من جانبه بأن هناك العديد من الشخصيات البارزة ومنهم شخصيات وزارية وبرلمانية يحاولون التوسط للبلطجية وفارضي الأتاوات وإخراجهم بالكفالة من قبل الحكام الإداريين وبالتالي يكشف العدوان النقاب بالنتيجة عن وجود نوع من أنواع الغطاء لظاهرة البلطجية والزعران وأرباب السوابق، الأمر الذي يشكل مفاجأة إضافية في هذا السياق.
ويتطلع المحلل والمراقب السياسي مروان الفاعوري إلى ان تمتد الحملة الأمنية لتشمل جميع البؤر التي تخالف القانون والتي تحظى بنوع من أنواع الحماية من بعض الشبكات النافذة ويؤكد الفاعوري هنا بأن الحملة الأمنية في مسارها الوطني حملة إيجابية لكنها ستصبح إيجابية أكثر إذا ما لقنت جميع التجمعات والشرائح التي تخالف القانون وتحظى بالحماية من هنا وهناك وتستخدم احيانا في إطار تسييس بعض الاتجاهات والسلوكيات.
ويرى الفاعوري أن الفرصة مواتية ما دامت الرؤية المرجعية والملكية، قد دعمت الاتجاهات نحو القانون وما دام المجتمع الأردني يصفق الآن لهذا النوع من الحملات الأمنية لتكريس مبدأ هيبة الدولة وهيبة القانون وفي الاتجاه السليم عبر شمول الحملة الأمنية للمزيد من المسارات والاتجاهات التي حظيت بالتواطؤ طوال سنوات طويلة ماضية.
ويبدو أن كرة الحملة الأمنية تتدحرج في أكثر من اتجاه وطني وتتحول إلى قضية رأي عام وقضية سياسية وأيضا قضية في صلب المسائل القانونية، حيث يؤكد من جانبه نائب رئيس الوزراء الأسبق والبرلماني سابقا الدكتور محمد الحلايقة أن الجدية في التعامل مع تداعيات ونتائج هذه الحملة الأمنية تتطلب اليوم محاسبة ومعاقبة وإخضاع كل المساحات التي كانت توفر الغطاء والتواطؤ مع هذه الظواهر الإجرامية الغريبة عن مجتمعنا والشاذة عن أحكام الشريعة السمحة والتي تخالف أخلاقيا حتى وجدان الأردنيين ولا تمثلهم لا مجتمعا ولا مؤسسات ولا حتى تمثل قيم قيادتهم بأي شكل من الأشكال.
ويطالب الحلايقة بدوره أن تكمل السلطات الأمنية والمؤسسات الرسمية مشوارها في هذا الاتجاه وأن تتحقق العدالة في كل المسارات والاتجاهات عبر محاسبة كل من كان يوفر الغطاء في الماضي أو يقيم علاقات أيضا غير قانونية ومشبوهة مع هذه الشرائح التي روعت المجتمع وتسببت بأذى كبير في وجدان الأدنيين ولمؤسساتهم ودولتهم ومجتمعاتهم.
ويفتح الجدال المتوسع أفقيا في المنظور المرحلي الباب امام نقاشات أكثر سخونة فيما يتعلق بتجاوزات على القانون وفي ظل الدلالات العميقة التي توفرها اليوم الحملة الأمنية ، الأمر الذي يراه الفاعوري مجددا مناسبة لإعادة مراجعة التحقيقات الأمنية وبكل الجدية المطلوبة تجاه بعض القضايا والملفات العالقة ومنها سرقة السيارات التي انتعشت قبل سنوات، والتي فقد بموجبها الكثير من الأردنيين أملاكهم وسياراتهم ودون متابعة أو تحقيق.
ويطالب الفاعوري بدوره بأن تكتمل هذه التحقيقات وأن تعاد الحقوق إلى أصحابها وبكل صرامة وجدية حتى لا تتكرر هذه المخالفات وحتى لا تصبح الحملة الأمنية التي يمتدحها الجميع مجرد رحلة قصيرة في عالم إحقاق القانون ومناصرة القانون لأن هذه الرحلة ينبغي ان تشمل جميع الأردنيين وأن تطول وتصبح أساسا للتحدث فعلا وحقا عن دولة المؤسسات والقانون.
ويتوقع إذا ما انتبهت السلطات الأمنية جيدا لتأثيرات هذه الحملة واستحقاقاتها أن تستمر الإقرارات والاعترافات من شخصيات رسمية وأمنية سابقة خصوصا وأن المجتمع كان طوال الوقت يتوقع بان التواطؤ مع هذه المخالفات وأصحابها كان موسميا وكان إلى حد بعيد يمثل سلوكا غامضا في البنية البيروقراطية ، الأمر الذي تريد السلطات أن تنفيه الآن عبر عملية التنظيف التي تحظى بغطاء مرجعي وحكومي.القدس العربي