وطنا اليوم:قال الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون الطاقة عامر الشوبكي إن ما يجري في اليمن اليوم يتجاوز كونه صراعًا داخليًا، ولا يمكن فصله عن سياق أوسع يتمثل في إعادة رسم خرائط النفوذ في واحدة من أخطر مناطق العالم استراتيجيًا.
وأوضح الشوبكي أن التطورات الأخيرة تعكس بوادر تصادم نفوذ حقيقي بين السعودية والإمارات داخل الساحة اليمنية، ولا سيما في الجنوب والشرق، مشيرًا إلى أن الخلاف يتمحور حول المنافذ البحرية، وملف النفط، والطرق الاستراتيجية.
وبيّن أن هذه ليست المرة الأولى التي تتباين فيها حسابات الرياض وأبوظبي، إلا أن ما يميّز المرحلة الحالية هو حساسية التوقيت، وخطورة المكان، ووضوح البيانات الرسمية الصادرة عن الجانبين، ما يدل على أن الصراع بات يطفو إلى السطح بشكل غير مسبوق.
وأشار الشوبكي إلى أن هذا التصادم يأتي في قلب أحد أهم الممرات البحرية عالميًا، جنوب السعودية مباشرة، وفي توقيت تشهد فيه المنطقة دخول إسرائيل على خط البحر الأحمر وباب المندب عبر اعتراف مفاجئ بإقليم صوماليلاند، وهي منطقة تتمتع أصلًا بحضور إماراتي اقتصادي ولوجستي منذ سنوات.
وأوضح أن مضيق باب المندب يمر عبره ما بين 10% و12% من تجارة النفط العالمية المنقولة بحرًا، ونحو 8% إلى 10% من تجارة الغاز المسال، إضافة إلى أكثر من 20 ألف سفينة سنويًا، ما يجعله شريان حياة للطاقة والتجارة العالمية بين آسيا وأوروبا.
وأضاف الشوبكي أن المعادلة الحالية بالغة الحساسية، إذ يخضع شمال المضيق لضغط وسيطرة الحوثيين، فيما قد يشهد جنوبه تموضعًا إسرائيليًا غير مباشر عبر صوماليلاند، وهو ما يعكس إدراك إسرائيل المتزايد لأهمية هذا الممر، خاصة بعد تجربة تعطيله من قبل الحوثيين، وتأثير ذلك على اقتصادات دول حوض البحر الأحمر وحوض المتوسط واوروبا.
وأشار إلى أن هذا الواقع قد يفرض معادلات نفوذ جديدة تمتد من الموانئ اليمنية والسعودية، مرورًا بالسودان، وصولًا إلى قناة السويس في مصر، محذرًا من أن الأخيرة قد تصبح خاضعة لتوازنات جديدة لا تتحكم بها الدول العربية وحدها كما كان الحال تاريخيًا.
ولفت الشوبكي إلى تقارير وتسريبات مقلقة تتحدث عن مشاريع موانئ لدعم الاقتصاد الإثيوبي عبر البحر الأحمر من خلال صوماليلاند، وهي خطوة – إن تمت – ستُقرأ في القاهرة كتحرك مباشر يمس الأمن القومي المصري.
وأضاف أن الأخطر من ذلك هو ما تردد في بعض التقارير والتسريبات عن استعداد صوماليلاند لاستقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين قد تصل إلى نحو مليون شخص، مؤكدًا أن مثل هذه السيناريوهات ستكون لها ارتدادات سياسية وديموغرافية كبرى على مستوى الإقليم بأكمله.
وأشار الشوبكي إلى أن تجدد الخلاف الخليجي داخل الساحة اليمنية لا يهدد اليمن وحده، بل يفتح الباب أمام إحياء نزاعات حدودية وخلافات مؤجلة داخل الخليج نفسه، لا سيما بين السعودية والإمارات، وبعضها مطروح أصلًا على طاولة الأمم المتحدة، ما ينذر باستنزاف عربي مزدوج في توقيت بالغ الخطورة.
واختتم الشوبكي بالتأكيد على أن ما تشهده المنطقة اليوم يمثل مرحلة إعادة تشكيل للقوة والسيطرة والاقتصاد في الشرق الأوسط، عبر مسارات لا تخدم الاستقرار الإقليمي ولا تصب في مصلحة الأمن أو الاقتصاد العربي، محذرًا من أن اليمن قد يعود مجددًا كساحة استنزاف مفتوحة في وقت يحتاج فيه الإقليم إلى التهدئة لا إلى صراعات النفوذ وإثبات السيطرة، منوّهًا إلى أن ميناء العقبة الأردني، بوصفه المنفذ البحري الوحيد للأردن، سيكون جزءًا من هذه المعادلة المعقدة بما يحمله ذلك من انعكاسات مباشرة على الاقتصاد والأمن الوطني.






