بقلم: الدكتورة رلى الفرا الحروب
الوسط السياسي مشغول هذه الايام بما يصدر عن جلالة الملك من تصريحات حول الاصلاح السياسي يشبهها البعض بالعاصفة الثلجية التي اجتناحت المملكة، فهي مبهجة في اولها ولكنها سرعان ما تنقشع فيذوب الثلج ويظهر ما تحته.
في رسائل متتالية لا يفصلها الا ايام دعا الملك الحكومة والنواب الى تعزيز عمل مجلس النواب لاستعادة ثقة الشعب بالمؤسسات وتكريس منهج التعاون بين السلطتين، ثم دعا مجلس الامة والحكومة الى اعادة النظر في القوانين الناظمة للحياة السياسية، وهي الانتخاب والاحزاب والبلديات واللامركزية، ثم ما لبث ان توج هذه الدعوات برسالة الى مدير المخابرات العامة يشكره فيها على جهود التحديث التي نفذ بها توجيهاته في كتاب تكليفه، وليطلب في الوقت ذاته رفع اليد عن سياسة المؤسسات واعمالها وعودة المخابرات الى دورها المهني الحقيقي بعيدا عن الادوار الاخرى التي لعبتها وما تزال في كل مناحي الحياة، بدءا من الاقتصاد والاستثمار والاعلام والسياسة والنواب والاحزاب والنقابات والجمعيات ومرورا بالجامعات والمدارس وانتهاء بالرياضة والفن والثقافة.
الجدل في الساحة هو حول التوقيت ودلالاته، فهل لهذه الرسائل – التي تاتي بعد خمسة اعوام من تراجع الحريات توجها قانون دفاع استظل بوهج الكورونا- علاقة بتسلم بايدن والحزب الديمقراطي مقاليد السلطة في الولايات المتحدة الامريكية المانح الاكبر للخزينة الاردنية، خاصة بعد تصريحات وزير خارجيته بأن لا تهاون في ملف الحريات وحقوق الانسان في المنطقة؟ ام ان جلالة الملك استشعر المزاج السيء للشارع الاردني والذي عبر عن نفسه بوضوح في مقاطعة الانتخابات من قبل ٧٠٪ من الناخبين بما في ذلك مناطق العشائر التي لطالما كانت تشهد كثافة في التصويت امام مقاطعة المدن الكبرى؟ ام ان القضاء على الحراك الشعبي وإخماد أنفاس قوى المعارضة على اختلاف اطيافها وسقوفها ومنعها من دخول مجلس النواب وحرمانها من كل المنابر الاعلامية داخل الوطن قد تسبب في راحة تسمح باعادة اجترار مفاهيم الاصلاح السياسي وتمكين المؤسسات الحكومية المعينة والديمقراطية المنتخبة سواء بسواء من القيام بمهامها دون تدخل الجهات الامنية في اعمالها؟ ام ان الوضع الاقتصادي السيء والذي لا تلوح اي بوادر امل في المدى المنظور لاصلاحه استدعى التحول نحو اصلاح سياسي او على الاقل اتاحة الفرصة للحديث عنه لتخفيف احتقان الشارع وضخ بعض الامل في اوساط القوى السياسبة التي فقدته تماما في عام ٢٠٢٠ بكل ما جرى فيه من اخفاقات واحباطات للعمل الحزبي والسياسي ومن حد لحرية التعبير والصحافة والاعلام؟
اما السوال الاكبر والذي تتداوله النخب فهو هل ستجد تلك التوجيهات اذنا صاغية وتطبيقا على الارض ام ستنتهي نهاية اوراق الملك النقاشية وكل دعواته للتحديث والتطوير منذ تولى مقاليد الحكم وحتى هذه اللحطة التي ندخل فيها المئوية الثانية من عمر الدولة؟
جلالة الملك..
معظم الاردنيين والاردنيات متفقون مع رؤاك المعلنة في كل المجالات، فهي حداثية ومستنيرة، ولكنهم جميعا يتساءلون عن السبب في عدم تطبيقها، بل في العمل بعكسها تماما؟
شعبك ينتظر منك أن تشرف على تطبيق هذه الافكار في مراحلها الاولى كي تنقلنا الى دولة مدنية ديمقراطية تقدمية متفوقة علميا وتكنولوجيا وسياسيا وقيميا ينال فيها كل المواطنين حقوقهم بعدالة وعلى قدم المساواة، فهل تبادر الى استبدال من يعيقون تحقق تلك الرؤى وهم كثر يحيطون بك احاطة السوار بالمعصم، باشخاص يؤمنون بقابلية تلك الافكار للتحقق وقادرين على تحقيقها فعلا ضمن اطار زمني؟ هل تمد يدك نحو شعبك المتمسك بدولته ونظامه وامنه وتفتح قلبك لهم بدلا من ان تسلم زمام القرار لمن دأبوا على إفشال رؤاك ولمن استمرأوا ان يقولوا لك ” تؤ ما بتزبط” ؟
جلالة الملك..
الاردنيون بأكثريتهم العددية الساحقة جاهزون للديمقراطية والتحديث والتحول ودخول نادي العالم الاول… لا تستمع الى من يصفنا باننا جهلة ورجعيون ومتعصبون وخارجون عن سيادة القانون… في كل الشعوب هناك اقليات توصف بهذه الاوصاف ولكن الاكثرية النشطة المنتجة البناءة المستنيرة التي تحترم سيادة القانون وتحمل مسؤولية الغد هي من ينبغي ان يعلو صوتها لتصنع القرارات التي تمنحنا وطنا اقوى وافضل واجمل وحياة اكثر طمانينة وازدهارا حتى لتلك الاقلية التي لا تحسن اللعب كفريق؟
جلالة الملك…
الشارع الاردني محبط، ولسان حاله يقول “هرمنا وتعبنا” لكثرة ما تحدثنا عن اصلاحات لا تاتي واحلام لا تتحقق ووعود تتبخر مع طلوع الشمس، فهلا تنتشل شعبك من هوة الياس وتمنح الاردن والاردنيين الوطن الذي يحلمون به ويستحقونه؟