وطنا اليوم – كتب الدكتور محمود المساد
بداية، الحذَر الحذَر من الوقوع في إحدى أزمات التحول الرقمي الحضارية أو كلّها؛ نتيجة غياب الوعي، أو غياب القناعة. فإن مصيدة التردد في ركوب قطار التحول نحو عالم الرقمية، وثورة التكنولوجيا مُكلِفة، ومرعِبة، وأحيانا قاتلة.
إن التحول الجذري في طبيعة العمل والمعرفة القائمة على الذكاء الاصطناعي الذي تتسابق في ميدانه البكر، الدول الحية، بشكل محموم وممتع، يعدّ سر الحياة الناجحة في المستقبل للأفراد، والأوطان. كما يعدّ الظفر في بعض مكتسباته المجزية، الضمانة الوحيدة للقوة والبقاء -اليوم وفي المستقبل- للدول الساعية بجرأة لرفاهية مجتمعاتها وازدهارها.
وتجدر الإشارة هنا إلى تعريف مفهوم السِّباخ الجغرافي، ومفرده سَبَخة، أي المنطقة التي ينخفض مستواها عن سطح المنطقة التي تحيط بها، تتجمع فيها مياه الأمطار، والصرف، وبعضها يتغذى من نزازات المياه الجوفية. ونظرا لارتفاع درجة الحرارة، وخاصة في المناطق الصحراوية منها، فإن تبخّر الماء يترك وراءه الأملاح والتي غالبا ما تكون من لون الرمال التي تحيط بها. وهنا تتحول إلى مصائد لكل من يدخلها،حيث تغور قدماه ويصعب عليه الخروج منها.
لكم أن تتخيلوا أننا نعيش اليوم على سطح سباخ ممتدة، نتحرك عليها، ونتفاعل فيما بيننا فوق سطوحها الهشة بأوزاننا – المادية منها والمعنوية- أفرادا، وجماعات. الفوز مكتوب لكل من خفّ وزنه وأتقن القفز على أكتاف الآخر، ويخسر، ويبطئ في الحركة كل من زاد وزنه، ووزن وقاره، وهيبته..
لهذا غاصت وتغوص أقدام معظم الناس في مجتمعنا في طين السباخ اللزجة؛ نتيجة ترددهم في ركوب موجات الحداثة.. غُصنا في التعليم التلقيني على الرغم من صيحات التحرر نحو التعليم النوعي القائم على التفكير، والحوار، ومهارات الحياة المطلوبة للمستقبل ، وغُصنا كذلك في وحل الفساد، والعمالة على الرغم من صيحات النزاهة، والشفافية، والمساءلة، وغُصنا في عفَن التمييز، وتقسيم المجتمع إلى طبقتين: مسحوقة هامشية، وأخرى سحابية تدور حول نفسها تتكاتف معا خشية السقوط.
لقد بات اليقين العالمي يؤكد في كل يوم، وحين على أن وزن الذبابة، ولا حتى وزن الصرصور، والخفاش بقادر على الصمود أمام تسونامي الحداثة، وإنتاج المعرفة، والتحرر من الخوف، والإخلاص للأوطان، والمتاجرة بالعقول الراجحة، والشخصيات الوازنة، وذوي الخبرات الجريئة التي ترى الأشياء أمامها، ثم تمضي بهمة وكبرياء لتحقيق إنجازات وطنية كبيرة.
إن القيمة الحقيقية لا تكمن في التقنية بحدّ ذاتها، بل في قدرة الإنسان على توظيفها لصالح رفاه المجتمع، وعدالة الفرص. تذكّروا دائما أن الإنسان هو محور التنمية، والسوق وسيلة لا غاية… ومع التحول الحقيقي نحو الفعل القائم على الذكاء الاصطناعي يتعمق هذا المبدأ!!
حماك الله يا وطني، وحمى أرضك، وناسك، ونظامك من كل عبَث وسوء.






