الزعبي يكتب : قلم لا ينحني.. ووطن لا يُخدع

21 ثانية ago
الزعبي يكتب : قلم لا ينحني.. ووطن لا يُخدع

وطنا اليوم _

بقلم: محمد علي الزعبي

 

لن نكون خنجرًا في خاصرة الوطن، ولن نكون أيضًا وردة تُزيّن باطلًا أو تُغطي خللًا. نحن نكتب لأننا نرى، ونحلّل لأننا نحب، وننتقد لأننا نخشى على هذا الوطن من أن تتسلّل إليه اللامبالاة من بوابة الصمت.

من يعتقد أن الصحفي أو الكاتب او الإعلامي حين يوجّه نقدًا لمؤسسة أو وزارة إنما يطعن في الدولة، فهو لم يفهم بعد معنى الولاء الحقيقي، فالولاء ليس أن تصفق للخطأ، بل أن تُنبه إليه قبل أن يتحول إلى كارثة، وليس أن تُجامل في العلن وتلعن في السر، بل أن تقول الحقيقة مهما كلّفت.

نحن أبناء هذا الوطن لا نحمل سيف الحقد، بل نرفع قلم الوعي، نكتب بضميرٍ وطنيٍ لا يساوم، لأننا ندرك أن الحرف قد يكون أحيانًا أقوى من القرار، وأن الكلمة الصادقة يمكن أن تُعيد للمؤسسات توازنها حين يختلّ ميزان الأداء أو تغيب روح الرقابة.

نحن لا نكتب لنهدم، بل لنُصلح، لا ننتقد لنُسيء، بل لنُوقظ، فحين نضع أيدينا على الخلل، فذلك لأننا نريد علاجًا لا جدلًا، وتصويبًا لا تصعيدًا، لكنّ بعض المسؤولين ما زالوا يظنون أن كل نقد عدو، وأن كل رأي مختلف تهديد، وهنا تبدأ أزمة الفهم قبل أزمة الأداء.

على المسؤول أن يدرك أن الإعلام الشريف هو البوصلة التي تُعيد الاتجاه إلى المسار الصحيح، وأن الصوت الحرّ هو صمام الأمان لا أداة الإزعاج، فحين يتحدث الإعلام الوطني، فليُصغِ المسؤول بوعي لا بردّ فعل، وليتذكر أن صمت الأقلام ليس علامة رضا، بل مؤشّر خطر حين تفقد المؤسسات النقد البنّاء فتغرق في سباتها.

نحن لا نكتب من فراغ، بل من ألم، من احتكاك يومي بالناس، ومن استماعٍ لنبض الشارع الذي تعب من الشكوى ولا يجد من يسمع، لذلك حين نكتب، فنحن نُترجم أصوات المواطنين الذين ضاقت بهم الدروب، ونعيد طرح الأسئلة التي يخاف البعض من طرحها، لأننا نعلم أن الأوطان تُبنى بالصدق لا بالمجاملات، وبالنقد لا بالنفاق.

نعم، لن نكون خنجرًا في خاصرة الوطن، ولكننا سنبقى الحارس الذي يصرخ عند الخطر، والمرايا التي تُظهر الحقيقة كما هي، لا كما يريدها المسؤول أن تكون، فالوطن لا يحتاج إلى من يمدحه في الخطأ، بل إلى من يُصحح له الطريق بشجاعة وضمير حيّ.

إننا نكتب بوعي الدولة، وبنبض الوطن، وبحبّ لا يتغير، ومن يقرأ حروفنا، فليعلم أننا لا نحمل إلا همّ الإصلاح، ولا نُشهر القلم إلا لنحمي الوطن من الصمت، ومن أولئك الذين يُزينون الخطأ بثوب الصواب.

فالنقد الواعي ليس ترفًا إعلاميًا، بل ركيزة من ركائز الأمن الوطني الإعلامي، وسياج منيع يحمي الدولة من الغلط قبل أن يستفحل، ومن الخلل قبل أن يتحول إلى أزمة، فحين يكون الإعلام شريكًا في التصويب، تبقى الدولة قوية، والقيادة مطمئنة، والوطن آمنًا بثقافة مسؤولة تعرف أن الكلمة الصادقة هي أول أسلحة الدفاع عن الحقيقة.