وطنا اليوم:بظروف اقتصادية خانقة وسيئة، وتحت وطأة الفقر والعوز، يستقبل سكان مخيم جرش (المعروف بمخيم غزة)، الذي يزيد عدد سكانه على 35 ألف نسمة، فصل الشتاء القادم بدون أي تجهيزات أساسية.
المأساة لا تقتصر على غياب المونة الغذائية أو وسائل التدفئة، بل تمتد لتشمل حالة مساكنهم المتهالكة، حيث إن أسطح المنازل المصنوعة من الزينكو والإسبست والألواح تتسرب منها المياه إلى داخل بيوتهم، ما يجعل عزل الأسطح حاجة ماسة لا ترفاً.
موسم الزيتون الضعيف يزيد معاناة السكان
انعكس الموسم الضعيف لقطاف الزيتون سلباً وبشكل كارثي على سكان المخيم، لا سيما وأنهم كانوا يعتمدون عليه بنسبة 100 % في تجهيزات فصل الشتاء. كانت هذه المهنة الموسمية توفر لهم دخلاً يكفي لشراء وقود التدفئة، مواد عزل الأسطح، وتجهيز “مونة الشتاء” من الكبيس والزيت، مع بيع الفائض.
وبحسب عدد من أهالي المخيم فإنهم يعتمدون على موسم قطاف الزيتون لتوفير السيولة اللازمة لتجهيز ما يلزم لاستقبال فصل الشتاء، إذ إن غالبية أبناء المخيم من المتعطلين عن العمل يجدون في موسم الزيتون فرصة ثمينة لتوفير مونة الشتاء من الكبيس والزيت ويبيعون الفائض لشراء الوقود ومواد العزل للأسطح.
وبحسب رئيس لجنة خدمات مخيم جرش، خضر العبسي، فإن أبناء المخيم يشكلون أعلى نسبة عمال موسميين في قطاع الزيتون، حيث كانوا يتوجهون بالآلاف يومياً إلى الحقول والمعاصر، إلا أن ضعف الموسم تسبب بـ “مشكلة كبيرة لعدم توفر أي فرص عمل بديلة وحاجتهم حالياً إلى تجهيزات الشتاء المكلفة مقارنة بالقرى والبلدات المجاورة في محافظة جرش”.
ويؤكد أن أكثر فئة متضررة من ضعف موسم الزيتون بعد المزارعين هم أبناء مخيم جرش الذين كانوا يتوجهون بالآلاف يوميا إلى الحقول للعمل في موسم الزيتون من شباب ونساء وأرباب أسر وكانوا موزعين على مختلف مراحل العمل في الزيتون.
بطالة وفقر قياسي.. والأوضاع القانونية تزيد الطين بلة
ويبين العبسي أن عدد سكان المخيم يبلغ حوالي35.000 نسمة يعيشون على مساحة 750 ألف متر مربع، ولا تتمتع النسبة العظمي من السكان (97.19 %) بالمواطنة حيث تمتلك إما جواز سفر سنتين/مؤقت (95.8 %) أو وثيقة مصرية (1.02 %) أو دون أي وثائق (0.37 %). وتشكل نسبة اللاجئين المسجلين مع وكالة الغوث في مخيم غزة ما نسبته 93 % من السكان بينما تصنف ما نسبته 7 % من السكان “كنازحين” ولا تعتبر هذه المجموعة الأخيرة مستحقة للتمتع بخدمات وكالة الغوث وهي لا تتلقى خدمات من منظمات دولية أخرى.
ويقول”أما بالنسبة للوضع الاقتصادي فيبلغ متوسط دخل الأسرة الشهري في مخيم غزة حوالي 186 دولارا دون المساعدات و217 دولار بحساب المساعدات مقارنة بـ 311 دولارا و360 دولارا متوسط الدخل الشهري للاجئين الفلسطينيين في الأردن دون مساعدات وبحساب المساعدات على التوالي”، موضحا “بلغت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المطلق (أقل من اثنين دولار في اليوم للفرد) حوالي 64 %، وتعود نسبة الفقر العالية هذه إلى وجود معدل بطالة عالية جداً بالمقابل حيث بلغت البطالة في مخيم غزة 39 % (81 % للنساء و25 % للرجال) مقارنة بـ 14 % للاجئين الفلسطينيين في الأردن أو للأردن بشكل عام.”
ويقول” الظروف الاقتصادية والسياسية الإقليمية ساهمت بخلق هذا الواقع، إلا أن جزءا كبيرا من المشكلة يعود إلى الوضع القانوني الخاص لسكان المخيم، “موضحا أن الظروف الخاصة لأبناء مخيم جرش كونهم لا يحملون أرقاما وطنية أردنية أجبرتهم على العمل في مهن محددة كالمهن الحرة والمواسم الزراعية لأن باقي المهن مغلقة ولا يحق لهم العمل فيها، وهو الأمر الذي كان له تأثير واضح على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لأبناء المخيم خاصة من حيث فرص العمل والدخل ومتابعة التعليم.
ويوضح العبسي أن أبناء المخيم يحتاجون بشكل خاص في كل شتاء إلى عزل أسقف المنازل وأغلب الأسقف من الزينكو والإسبست وأغلبهم يعتمدون على أغطية البلاستيك لعزل الأسقف، كل منزل يحتاج من 50-70 دينارا تكلفة العزل، فضلا عن حاجتهم لمواد تدفئة نظرا لانخفاض درجات الحرارة بشكل كبير في المخيم ويحتاجون إلى أغطية وسجاد وموكيت والمونة الغذائية، خاصة وأن فرص العمل في فصل الشتاء قليلة ولا يوجد أي مصادر دخل لأبناء المخيم إلا ما يتم توفيره في موسم الزيتون وبالكاد يكفي الأسر، لا سيما وأن تعداد الأسر ما بين 70-13 فردا.
وبين أن لجنة خدمات المخيم بالتعاون مع المتبرعين تقوم بتوزيع بعض من مستلزمات الشتاء من المشمعات أو الوقود أو الحرامات والمواد الغذائية إلا أن الكميات التي توزع قليلة ومتواضعة ولا تغطي حاجة 10 % من الأسر المعوزة وعددها بالآلاف داخل المخيم ومنها أسر فيها مرضى وأرامل وأيتام وطلاب على مقاعد الدراسة.
مطالبات بفتح باب العمل
يقول محمد جعفر “أبناء مخيم جرش يعانون حاليا من ظروف اقتصادية صعبة نظرا لضعف موسم الزيتون وعدم حاجة المزارعين لعمال وعدم حاجة المعاصر لعمال سوى عدد قليل نظرا لقلة كميات ثمار الزيتون وعجز الشباب عن فتح بسطات لبيع الثمار كذلك لعدم توفر الثمار وما توفر لا يقل سعر الكيلو عن دينارين ونصف وهذه الأسعار غير مناسبة وغير مجدية في التجارة،” مشيرا إلى أن الحل هو دعم أبناء المخيم وفتح باب المهن المغلقة عليهم ليتمكنوا من العمل وتوفير أهم احتياجاتهم خاصة قبيل حلول فصل الشتاء الذي ترتفع فيه مستلزمات وحاجات الأسر وتتوقف فيه الأعمال الموسمية من زراعة وبناء وأعمال إنشائية نظرا للظروف الجوية مما يحول عشرات الآلاف من الأسر إلى أسر معوزة.
ويشاركه الرأي الناشط الاجتماعي أحمد القيم قائلا “الأسر الغزية في مخيم جرش تستقبل الشتاء المقبل بجيوب فارغة وبيوت مكشوفة غير معزولة وظروف اقتصادية صعبة بسبب ضعف موسم الزيتون الذي يعمل فيه آلاف العمال من أبناء المخيم، مما يحرمهم من توفير أهم مستلزماتهم الأساسية في فصل الشتاء ويحولهم إلى أسر معوزه، كونهم بحاجة إلى عزل البيوت وتدفئة وحرامات وملابس دافئة ومونة غذائية”.
ويعزو نسبة البطالة العالية إلى أسباب عدة أهمها القيود القانونية التي تجعل فرص العمل بالنسبة لأبناء مخيم غزة محدودة فلا يمكن لهم على سبيل المثال العمل في القطاع العام أو مزاولة بعض المهن مثل طب الأسنان أو المحاماة أو الهندسة الزراعية أو المحاسبة القانونية أو الصيدلة أو حتى العمل في القطاع السياحي أو البنوك ولا يمكنهم الحصول على رخصة سواقة عمومي، مضيفا أن ما يزيد من نسبة البطالة أن موقع مخيم غزة في منطقة زراعية بعيدة عن المراكز النشيطة اقتصادياً بشكل عام.
يذكر أن مخيم جرش، والمعروف محلياً باسم مخيم غزة أُقيم عام 1968 لإيواء عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا قطاع غزة جراء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967.






