“مجلس النواب.. حين تُحسم الرئاسة قبل أن تبدأ المنافسة”

30 ثانية ago
“مجلس النواب.. حين تُحسم الرئاسة قبل أن تبدأ المنافسة”

بقلم: د. قاسم العمرو

ما يحصل هنا في بلدنا العزيز لانتخاب رئيس مجلس النواب لا يشبه اي طريقة في أي من دول العالم  سواء الديمقراطية او الاستبدادية حيث بدأت المباركات والتقاط الصور مع الرئيس الجديد لمجلس النواب منذ فترة وهو حديث الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تعد معركة رئاسة مجلس النواب تُثير في الشارع السياسي أو الشعبي كما كانت تُثيره من قبل من ترقب أو تساؤلات، فقد باتت النتيجة معروفة قبل أن يفتتح الملك الدورة العادية، وكأنها صفحة مكرّرة من كتاب محفوظ تُقرأ سطوره على عجل.

فما كان يفترض أن يكون محطة ديمقراطية تُجسّد التنافس البرامجي داخل المؤسسة التشريعية، تحوّل إلى مشهد محسوم مسبقًا، تُدار كواليسه في غرف مغلقة، ويُقدَّم للرأي العام كتحصيل حاصل لا أكثر. إن اختزال العملية في “توافقات” أو “تفاهمات عليا” يُفرغ فكرة الانتخاب من مضمونها، ويُضعف الثقة العامة بالمؤسسة الدستورية التي تمثل الشعب.

لم يعد السؤال: من هو المرشح الأقوى؟ بل أصبح: من تم اختياره مسبقًا؟ هذه الحقيقة المؤلمة تُشير إلى أزمة أعمق من مجرد أسماء، إنها أزمة في مفهوم الممارسة الديمقراطية نفسها، حين تتحوّل السلطة التشريعية إلى دائرةٍ مغلقةٍ لا يدخلها التغيير إلا بمقدار ما تسمح به التوازنات غير المعلنة.

تساؤلات مشروعة تطرح نفسها: أين البرامج؟ أين الرؤى الإصلاحية؟ وأين النقاش حول الأداء الرقابي والتشريعي؟ ولماذا لم نعد نسمع عن خطط تطوير العلاقة بين المجلس والحكومة، أو عن مبادرات تُعيد الثقة بالمؤسسة النيابية؟

الخلل لا يكمن في الأشخاص، بل في المنهج الذي يكرّس فكرة أن الموقع يُمنح ولا يُنتخب، وأن التنافس الشفاف أصبح عبئًا لا ضرورة. ما نحتاجه ليس تغيير أسماء، بل إعادة الاعتبار لفكرة الانتخاب الحر، وإعادة بناء تقاليد نيابية تجعل المجلس فعلاً ممثلًا للشعب لا مجرد امتداد للتوازنات.

الأردنيون لا يطالبون بالمستحيل، بل يريدون أن يروا مؤسساتهم تُدار وفق إرادتهم، لا وفق ترتيباتٍ معدّة سلفًا. فإذا كانت الانتخابات النيابية تعبّر عن إرادة الناس، فإن انتخاب رئيس المجلس يجب أن يكون استمرارًا طبيعيًا لتلك الإرادة، لا قطيعةً معها.

لقد آن الأوان لمراجعة صريحة لآلية اختيار رئيس مجلس النواب، ولإعادة الروح إلى التنافس الحقيقي، حتى لا تبقى الديمقراطية مجرّد طقسٍ شكليٍّ يتكرر كل دورة دون مضمون.