مروان العمد
في يوم الثلاثاء الموافق 9 / 2 / 2021 بدأت محاكمة الرئيس السابق للولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب امام مجلس الشيوخ . حيث جرى في البداية مناقشة دستورية هذه المحاكمة بعد انتهاء ولايته . واعقب المناقشة تصويتاً على هذه المسألة حيث اقر المجلس بدستوريتها بالاغلبية العددية وبواقع 56 صوتاً مقابل 44 صوتاً حيث انضم 6 مشرعين جمهورين الى جانب الديمقراطيين في هذا التصويت . ثم تم اعطاء الادعاء والذي يمثله الديمقراطيين ستة عشر ساعة لتقديم مرافعاتهم ومثلها للجمهوريين لتقديم دفوعاتهم . مع بقاء خيار طلب المناقشة او استدعاء الشهود قائماً .
وقد قدم الديمقراطيون مرافعتهم على اساس ان ترامب هو مسؤول شخصياً عن اعمال الشغب امام الكونجرس وداخله بتاريخ 6 / 1 / 2021 وان هناك ادلة دامغة على ضلوعه بالتحريض على التمرد .وقد استندت مرافعة الديمقراطيين على ان رفض ترامب المتكرر الاعتراف بنتائج الانتخابات الرآسية والادعاءات التي كان يرددها بحصول تزوير فيها قد ادى الى تحريض انصاره على التمرد على الدستور وعلى الجمهورية . وان كلمته في ذلك اليوم امام الجمع الغاضب من انصاره قرب البيت الابيض والذين كانوا قد احتشدوا بناء على دعوته لهم لفعل ذلك بهدف الضغط على الكونجرس لعدم المصادقة على قرار المجمع الانتخابي باعلان فوز جو بايدن بالانتخابات ، كانت بمثابة برميل بارود فجر الاحداث في ذلك اليوم وخاصة عندما دعا هذه الجموع الغاضبة للتوجه الى مبنى الكونجرس لتحقيق هذه الغاية . وان هذا يعتبر تحريضاً منه لانصاره على اقتحام الكونجرس بالطريقة التي تم بها مما ادى الى سقوط خمسة قتلى نتيجة لذلك . وقد جادل الديمقراطيين بأنه وعلى الرغم من ان ترامب لم يعد في منصبه بعد انتهاء ولايته لكنه مطالب بتقديم إجابات كاملة عن سلوكه منذ اليوم الاول له في منصبه . وكان الديمقراطيون يأملون بإدانته لتهيئة المسرح للاقتراع على حرمانه من تقلد منصب عام مرة أخرى .
وعندما جاء دور الجمهوريين لتقديم دفوعاتهم اكتفوا بأن تكون على مدى ثلاث ساعات فقط وركزوا في دفوعاتهم بأن محاكمة ترامب امام المجلس ما كان يجب ان تعقد من الاساس لأن ترامب ترك السلطة واصبح مواطناً عادياً ولذا لا يمكن اتخاذ قرار بإدانته وبعزله كرئيس .
كما دفعوا بأن انصار ترامب اقتحموا الكونجرس من تلقاء انفسهم وأن تصريحات ترامب قبل الاقتحام لا ترقى الى مستوى التحريض على العنف وان دعوته انصاره للقتال لم يكن المقصود منها المعنى الحرفي ، وان اعتبارها تحريضاً على التمرد فيه تجاهل لما تبقى من خطابه امامهم في ذلك اليوم ومن دعوته لهم لإسماع أصواتهم بشكل سلمي وان خطابه وسط انصاره محمي بضمان حرية التعبير التي كفلها الدستور .
وفي نفس اليوم تم التصويت على قرار الادانة من عدمه بعد ان وافق الديمقراطيين والجمهوريين على وقف تمديد محتمل لإجراءات المحاكمة للاستماع الى تفاصيل مكالمة هاتفية ما بين ترامب واحد كبار الجمهوريين اثناء اقتحام الكونجرس . ودون اجراء مناقشات اضافية ودون دعوة شهود والاستماع لاقوالهم ودون حتى الاستماع الى شهادة ترامب نفسه ودون التصويت على حرمانه من ترشيح نفسه في انتخابات قادمة . وقد كانت نتيجة التصويت الادانة من قبل 57 عضواً في المجلس مقابل عدم الادانة من 43 عضواً . حيث صوت الى جانب الديمقراطيين سبعة اعضاء جمهوريين فقط اي اقل بعشرة اصوات كانت مطلوبة لاقرار الادانة التي تتطلب موافقة ثلثي اعضاء المجلس . وبذلك يكون المجلس قد فشل في ادانته ويكون ترامب قد نجى من هذه الادانة حيث ان عدم الادانة تعتبر حكماً بالبرائة .
وعقب صدور القرار صدرت ردود فعل مختلفة من الحزبين ومن ترامب . فقد صرحت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي والتي كانت تتزعم الحملة لمحاكمة ترامب بأن الاكاذيب الكبيرة المتعلقة بتزوير الانتخابات هي التي حرضت مقتحمي الكونجرس على فعلتهم ، وان الجمهوريين الذين صوتوا بعدم ادانة ترامب تخلوا عن الدستور والبلد والشعب الامريكي . وان العدالة لم تتحقق خلال المحاكمة وانه كان هناك تقصير من الحزبين في ذلك . وقالت ان ما رأيناه في مجلس الشيوخ اليوم كان عبارة عن مجموعة جبانة من الجمهوريين وان بلادنا بحاجة الى حزب جمهوري قوي ويمضي قدماً لضمان عدم تكرار اقتحام الكونجرس .
فيما تحدث بايدن وقال ان سبعة من الجمهوريين فقط صوتوا الى جانب الادانة الا ان الذين عارضوا الادانة مثل زعيم الاقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل يعتقدون ان ترامب كان مذنباً بارتكابه تقصيراً مشيناً في اداء واجبه وانه مسؤولاً عملياً واخلاقياً عن إثارة العنف الذي اندلع في مبنى الكونجرس . واضاف بايدن بقوله ان هذا الفصل الحزين من تاريخ البلاد يؤشر الى ان الديمقراطية هشة وانه يجب دائماً الدفاع عنها ومشدداً على انه لا مكان للعنف والتطرف في الولايات المتحدة .
اما زعيم الاقلية الجمهورية في المجلس فقد صرح بأن ترامب مسؤولاً اخلاقياً وفعلياً عما حصل لتحريضه على احداث اقتحام الكونجرس وان شخصاً واحداً فقط هو من حرض على الاقتحام وليس 74 مليون امريكي صوتوا لصالح الحزب الجمهوري . واضاف بقوله اننا لا نتمتع بصلاحية التصويت لصالح ادانة رئيس لم يعد في منصبه .
اما الرئيس السابق دونالد ترامب والذي كان موضوع المحاكمة فقد قال في بيان له ان هذه المحاكمة تمثل مرحلة اخرى في اكبر عملية اضطهاد في تاريخ بلدنا . وقال ان حركتنا الوطنية قد بدأت للتو .
هذ هي احداث المحاكمة وما اعلن عنها وما قيل حولها وما نشر عنها ، وانا كل ذلك لايعنيني وانما يعنيني ما خلف الاحداث ومالم يعلن منها وتحليلها ومن الذي حقق نقاطاً اكثر على حساب الآخرين . وهل فعلاً هنالك رابح وخاسر ام انه تم الاتفاق على توزيع الربح والخسارة على الطرفين ، وما تأثير ذلك على ترامب ودوره في المستقبل .
وفي البداية يبدوا وللوهلة الاولى ان الحزب الديمقراطي هو الذي حقق الفوز الاكبر في هذا الصراع ، فقد حقق نصراً كبيراً بالانتخابات واصبح مرشحه جو بايدن رئيساً للبلاد والحق هزيمة منكرة بمنافسه دونالد ترامب بالرغم من ادعاءاته بحصول تزوير في الانتخابات وما قام به من محاولات لإلغاء نتائجها . كما نجح الحزب في ان يعزز تواجده في مجلس الشيوخ لتصبح المقاعد مناصفة بين الحزبين ويعطي صوت نائبة الرئيس الديمقراطية الاكثرية لهم . وقد سعى هذا الحزب لاستثمار ما قام به انصار ترامب من اقتحام للكونجرس بهدف عزله قبل انتهاء ولايته لحرمانه من اعادة ترشيح نفسه لانتخابات رأسية مرة اخرى ، ولانه سوف يترتب على ذلك حصول خلافات وانقسامات بين صفوف الجمهوريين مما سيضعف من امكانية عودته للبيت الابيض في المنظور القريب .
الا ان المدقق بسير الاحداث سوف يدرك ان هذا النصر ليس بالحجم المأمول به من قبل الديمقراطين ، بل ان بعض الهزائم قد لحقت بهم مثل فشلهم في ادانة ترامب وفشلهم من حرمانه من فرصة الترشح مجدداً للانتخابات ، والاهم فشلهم في تحقيق انقسام بالحزب الجمهوري بالدرجة التي كانوا يأملون بها ، بل على العكس من ذلك فقد ظهرت بوادر خلاف داخل الحزب الديمقراطي نفسه حيث اخذ بعض قيادييه يوجهون اللوم للاعضاء الاكثر تحمساً لمحاكمة ترامب وخاصة لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي حيث يرون انها اتبعت احقادها على الحزب الجمهوري ومارست عنادها في مواجهته ، ثم لم تتمكن من احالة قرار المحاكمة الذي اتخذه مجلس النواب على مجلس الشيوخ قبل انتهاء ولاية ترامب والذي كان سيترتب عليه الزام مجلس الشيوخ بتحديد موعد لهذه المحاكمة فوراً . كما يأخذ عليها بعض الديمقراطين بأنها لم تحسن حكمها على مواقف اعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ وانهم لا يمكن ان يسمحوا بتحقيق اغلبية الثلثين لادانته والتي كانت تتطلب تصويت سبعة عشر عضواً منهم الى جانب الادانة .
وقد يبدو الجمهوريين اكبر الخاسرين فقد خسروا انتخابات عولوا على الفوز بها كثيرا . كم خسروا معركة التشكيك بنتائج الانتخابات التي قادها ترامب بكل شراسة كما خسروا العديد من الولايات المتأرجحة عندما دفعت تصرفات ترامب العنصرية ومواقفه المتطرفة الاميركيين من اصل افريقي و لاتيني و اسيوي ومعظم المسلمين وجانب كبير من اليهود الذين لم يدعموا سياسات ترامب بالنسبة للنزاع العربي الإسرائيلي او لعلاقته الوثيقه مع بنيامين نتنياهو والذي يواجه العديد من تهم الفساد ويلقى معارضة متزايدة من بعض اليهود ، لآن يشاركوا في الانتخابات ويعطوا اصواتهم لجو بايدن بهدف اسقاط ترامب . كما انهم خسروا بعض حكام الولايات وبعض كبار المسؤولين من الجمهورين في العديد من الولايات لأنهم لم ينفذوا رغبات ترامب بالعمل على تغيير نتيجة التصويت وفرز الاصوات في ولاياتهم لصالحه . كما انهم خسروا الكثير من المسؤولين الجمهورين على مختلف المستويات بما فيهم العاملين في البيت الابيض او اجهزة الدولة المختلفة ولنفس السبب السابق . كما انهم خسروا نتيجة تصويت عشرة اعضاء جمهوريين في مجلس النواب لصالح محاكمة ترامب وسبعة من اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الى جانب ادانته . كما خسروا اغلبيتهم في مجلس الشيوخ لاول مرة منذ عشر سنوات متتالية وذلك عندما فاز مرشحان ديمقراطيان لعضوية مجلس الشيوخ على مرشحان جمهوريان في ولاية جورجيا التي كانت محسوبة عليهم ، بالاضافة الى اهتزاز صورة الحزب الجمهوري داخل اميركا وخارجها . الا انهم ورغم ذلك فقد حققوا الكثير من الانتصارات فقد استطاعوا الحصول على اصوات 75 مليون ناخب واستطاعوا ان يقلصوا الفارق بينهم وبين الديمقراطيين في مجلس النواب . كما انهم نجحوا في تجنب ادانة ترامب بالتهم الموجهة اليه بالرغم من ادانة بعضهم له وبذلك فهم تجنبوا الانقسام الحاد داخل الحزب فيما لو ادانوه وقام هو بالانسحاب من الحزب وتشكيل حزب جديد يضم انصاره ومؤازرية والذين اصبحوا يشكلون غالبة اعضاء الحزب الجمهوري . واستطاعوا ان يتجنبوا ان يكون اول رئيس امريكي حتى لو كان سابقاً يتم ادانته من قبل الكونجرس من حزبهم . كما انهم نجحوا بأن يحيدوا الحزب الجمهوري من المسؤولية عن الاحداث التي حصلت في اميركا بعد الانتخابات بما فيها مهاجمة الكونجرس والصاقها في ترامب وبنفس الوقت حمايته من المحاكمة والادانة لكونه اصبح رئيساً سابقاً ولا يجوز ان يصدر الكونجرس قراراً بعزله .
وبالنسبة لترامب فأنه يبدوا انه هو الفائز الاكبر حتى الآن على الاقل . فقد تجنب العزل ومارس صلاحياته كرئيس لآخر ثانية من وقت ولايته . وغادر البيت الابيض من غير ان يقر بهزيمته وبفوز منافسه ولا يزال يدعي بتزوير الانتخابات وانه هو الفائز الحقيقي . كما استطاع ان يحافظ على قاعدته الشعبية الواسعة والتي ازدادت التفافاً حوله ودعماً له حتى انه اصبح يقول انهم يمثلون حركته الوطنية كما اسماها ، وان حركته هذه حققت الكثير من الانتصارات مما يجعل امكانية انسحابه من الحزب الجمهوري امراً وارداً في اي وقت ، او على الاقل امراً يهدد به الحزب الجمهوري ويبتزه ليقف الى جواره بالانتخابات القادمة .
ولا يؤثر في هذه المعادلات دعوات مجلس النواب ورئيسته نانسي بيلوسي لتشكيل لجنة خاصة للتحقيق فيما قام به ترامب ومحاولة محاكمته امام المحاكم العادية لاستحالة ادانته امام هذه المحاكم وذلك لتعقيدات مثل هذه المحاكمات امام القضاء الامريكي والدفع الدستوري الذي سوف يثيره محاموه وانصاره والحزب الجمهوري من حق حريه الكلام وابداء الرأي الدي ينص عليهما الدستور الامريكي والقوانين الامريكية وان اقواله يوم الاقتحام كانت اثناء كونه رئيساً للولايات المتحدة ويتمتع بالحصانة الدستورية من المحاسبة عليها .
او ربما يكون ترامب هو الخاسر الاكبر في النهاية وباتفاق الحزبين عليه ومن مؤشرات ذلك تأخير بيلوسي رفع قرار مجلس النواب بادانته وعزله امام مجلس الشيوخ الى ما بعد انتهاء ولايته حتى يكون من السهل عدم ادانته كونه لم يعد رئيساً . ويدعم هذا الرأي استعجال الحزب الجمهوري انهاء المحاكمة والاكتفاء بمرافعة من ثلاث ساعات بدلاً من ستة عشر ساعة ممنوحة له ، وموافقة الحزبين على عدم أجراء مناقشات اضافية او دعوة شهود للاستماع اليهم بما فيهم الشاهد الجمهوري الذي اجرى معه ترامب يوم الاقتحام مكالمة هاتفية ، والذهاب مباشرة الى التصويت الذي كان معروفاً نتيجته مسبقاً ، على ان يتخلص الحزب الجمهوري من ترامب مستقبلاً وبهدوء ومن غير ان يخسر انصاره وداعميه .
ويبقى كل شيئ وارداً في المستقبل وسوف يبقى ملف فترة حكم ترامب ومحاكمته مفتوحاً حتى اشعار آخر .
١٨ / ٢ / ٢٠٢١