وطنا اليوم _
كتب: ليث الفراية
ليس من السهل أن تصادف شخصية تجمع بين وهج الشعر ورحابة الإنسانية في آن واحد شخصية تدخل المجالس فيلتفت إليها الحضور بقدر ما تلتفت القلوب إلى عفويتها ودفئها إنها ليست مجرد كاتبة أو شاعرة تُزين الحروف على الورق بل هي امرأة تحمل رسالة تتجاوز حدود النصوص لتصبح جزءًا من الحياة اليومية للناس سارة طالب السهيل لم تكتفِ بأن تكون ابنة إرث عريق بل اختارت أن تُعيد صياغة هذا الإرث بالكلمة والفعل وأن تكتب قصيدتها الكبرى على مسرح المجتمع لا على الورق فقط .
منذ سنواتها الأولى حملت سارة السهيل معها إرثًا عربيًا أصيلًا فهي ابنة الشيخ طالب السهيل وتنتمي إلى قبيلة تميم ما منحها ذلك الاعتزاز بالهوية والانتماء غير أن ما يميزها أكثر هو قدرتها على المزاوجة بين هذا الإرث وبين الحضور الثقافي الحديث فهي درست إدارة الأعمال وتنقلت بين عواصم عربية وغربية لتصقل تجربتها برؤية واسعة ثم استقرت في القاهرة حيث واصلت نشاطها الأدبي والاجتماعي لم تكن هذه التنقلات مجرد محطات سفر بل محطات بناء ذاتي وثقافي انعكس بوضوح على كتاباتها المتنوعة سواء في الشعر أو أدب الأطفال أو المقالات الأدبية .
ولأنها آمنت دومًا بأن الكلمة مسؤولية لم تكتفِ سارة السهيل بكتابة الشعر بل جعلت من الأدب أداة لبناء الوعي أصدرت أعمالًا مميزة للأطفال منها قصة أميرة البحيرة وسعت من خلالها إلى غرس القيم الإنسانية في نفوس النشء مؤمنة أن المستقبل يبدأ من التربية الفكرية والجمالية للطفل أما في عالم الشعر فقد تركت بصمتها من خلال دواوين مثل صهيل كحيلة ونجمة سهيل حيث يلتقي العشق بالوطن ويتجلى الإحساس الصادق بلغة رشيقة تنساب بروح الأنثى العاشقة للحياة كلماتها ليست مجرد أبيات موزونة بل هي مرافئ وجدانية يجد فيها القارئ ذاته .
إلى جانب إنتاجها الأدبي لمع اسم سارة السهيل كناشطة مجتمعية حاضرة في كثير من الفعاليات الثقافية والخيرية فهي ترعى بحب واقتناع مبادرات تُعنى بحقوق الطفل وتمكين المرأة ومناهضة العنف إضافة إلى مشاركاتها المتكررة في معارض الكتب والندوات الفكرية في الأردن ومصر والعالم العربي حضورها في هذه الفعاليات لم يكن بروتوكوليًا بل كان نابعًا من إيمانها بأن المثقف لا ينعزل عن قضايا مجتمعه بل يعيشها ويدافع عنها ويساهم في تطويرها وهذا ما جعلها محبوبة من الناس فهي قريبة من الجميع تنصت لهم وتشاركهم تفاصيلهم لتتحول بمرور الوقت إلى رمز إنساني قبل أن تكون رمزًا أدبيًا .
ولعل أجمل ما يميز سارة السهيل هو تلك القدرة على أن تجمع بين الرصانة الثقافية والعفوية الإنسانية فهي في الندوات مثقفة واثقة تملك أدواتها الفكرية وفي اللقاءات الاجتماعية إنسانة بسيطة حاضرة بابتسامتها وعطائها قريبة من الناس كبارًا وصغارًا هذا التوازن جعلها نموذجًا للمثقفة التي لم تأسرها الأضواء ولم تضعها الشهرة في أبراج عالية بل بقيت على الأرض تشارك الناس أفراحهم وأحزانهم وترافقهم في رحلتهم اليومية .
إن سارة طالب السهيل ليست مجرد كاتبة عابرة أو شاعرة عادية بل هي شخصية تُجسد تلاقي الثقافة مع الإنسانية هي ابنة العشيرة وابنة الوطن العربي هي صوت المرأة الواعية وقلم الطفولة البريء وهي الجسر الذي يربط الكلمة بالفعل في زمن نحتاج فيه إلى من يعيد للكلمة معناها ودورها في خدمة الإنسان والمجتمع .
وفي النهاية يمكن القول إن سارة السهيل لم تختر أن تكون نجمة في السماء وحسب بل آثرت أن تكون شعلة مضيئة في دروب الناس تمنحهم الأمل وتدعوهم إلى التمسك بالجمال والحب والصدق هي الحكاية التي لا يمل السرد عنها والقصيدة التي لا تنتهي والاسم الذي يزداد بريقًا كلما امتزج بالعطاء الإنساني والثقافي فحب الناس لها لم يكن وليد مجاملة أو مناسبة عابرة بل ثمرة حضور متواصل وصدق لا يعرف الزيف وهكذا تبقى سارة طالب السهيل مثالًا حيًا على أن الكلمة إذا حملت الصدق تحولت إلى حياة .