وطنا اليوم:يبدو لافتا في العقبة، اختفاء طائر الغراب الهندي بشكل نهائي، بعد أن ظل ينتشر هناك على نطاق واسع، وهو المعروف في أوساط العقباويين بصوته المزعج وسلوكه العدواني تجاه الطيور الأخرى، والبشر أيضا.
والغراب الهندي كان استوطن مدينة العقبة منذ سنوات، فتكاثر وانتشر بشكل لافت، حتى بات جزءا يوميا من المشهد العام، لكن بشكل غير مرحب به، وعرفه أبناء العقبة بصوته المزعج وسلوكه العدواني، إذ كان يهاجم الطيور الأخرى، ويعبث بالخزانات، بل وتناقل الأهالي قصصا عن محاولات اعتدائه على أطفال وسياح، ما أضفى عليه سمعة “شؤم” لدى بعضهم.
روايات عدة، تناقلها سكان العقبة، بأن الغراب الهندي قدم إلى العقبة عبر سفن الحبوب القادمة إلى الميناء من مختلف دول العالم، لا سيما الهند والدول الاستوائية، واستوطن وتكاثر على مدار أكثر من نصف قرن في مدينة العقبة السياحية.
الحاج موفق من سكان المنطقة السابعة، يقول إنه بات يجلس على شرفة منزله كما اعتاد يوميا، لكن بدون ذلك الغراب صاحب الصوت المزعج، مشيرا في الوقت ذاته، إلى أن “صباحات العقبة أصبحت تشهد هدوءا افتقدته لسنوات”.
وأضاف “تنفس سكان العقبة الصعداء، إذ اختفى الغراب بشكل نهائي، وكأن المدينة تستعيد أنفاسها، وتعيد تشكيل ملامحها دون ذلك الكائن الذي طالما خيم على يومياتهم بصوت ونظرة موحشة”.
مشكلة خزانات المياه
وأشار الحاج موفق إلى أن “خزانات المياه على الأسطح كانت أشبه بساحات حرب بيئية، حيث يتجمع فيها الغراب الهندي بحثا عن مأوى أو لقمة عشوائية، وهو ما جعل سكان العقبة يعتبرونه ضيفا ثقيلا حل دون دعوة وبقي لسنوات طويلة”، مختتما حديثه بالقول “غاب الغراب.. عادت البركة”.
ويروي الشاب خالد البشاشبة، وهو موظف في أحد فنادق الشاطئ الجنوبي، قصته مع هذا الغراب، قائلا “كنا نلاحقه من خزانات المياه، يفتح الأغطية ويفسد المياه، ويخرب المنظر، وأحيانا نغلق الخزان ونعود بعد يوم لنجده مفتوحا وكأن الغراب يتحدى”.
أما المواطن محمد الخوالدة، فيؤكد من جهته “أن الغراب يرمي بفضلاته في خزانات المياه على أسطح البنايات، فيما يشكل رعبا بصوته المنفر للأطفال”، مؤكدا “أن هذا الطائر يؤثر على الواقع السياحي في مدينة العقبة، والتي تكتظ دائما بعشرات الآلاف من الزوار والسياح من مختلف الجنسيات”.
وبحسب المواطن تامر القرامسة، فإن “الغراب كان يشكل قلقا مستمرا لجميع ساكني العقبة، بصوته وسطوته على البنايات والمنازل، لا سيما أنه طائر سارق بامتياز”، لافتا إلى “أن الغرابا يهاجم أحيانا الأطفال والأشخاص ممن يتوجهون باكرا إلى مدارسهم ووظائفهم بشكل شرس، مما يدفع بهم إلى اللجوء لأي محل تجاري أو كراج سيارة أو منزل خوفا من تعرضهم إلى الأذى”.
غياب الغراب قابله عودة تدريجية لأنواع من الطيور التي كانت شبه غائبة، وأصبح سكان المدينة الساحلية يتحدثون عن “صوت طبيعي” يعود للمدينة، ويشعرون براحة نفسية مع اختفاء الإزعاج البصري والسمعي.
“الطيور الأصلية بدأت تعود”
وعلى مدى الأشهر الماضية، بدأ أهالي العقبة يلاحظون تراجع أعداد الغراب الهندي، حتى اختفى تماما في الأسابيع الأخيرة، هذا التغير المفاجئ أثار تساؤلات في الشارع العقباوي بين من يربطه بتغير المناخ، ومن يعتقد أن هناك حملة منظمة لإبادته أو نقله.
تقول المواطنة أم رامي “أول مرة منذ سنوات نقدر نفتح شبابيك البيت الصبح من دون صراخ أو أوساخ.. الأجواء باتت أنظف، والمدينة أهدأ، وكأنها تنفست”، مضيفة: “كنا نستيقظ على فوضى أصواتهم ونجد بقاياهم على النوافذ والشرفات، أما الآن فالسكينة عادت، وصوت العصافير صار هو المهيمن. حتى أطفالي صاروا يسألوني: وين راح الغراب؟ فأقول لهم: يمكن العقبة نفسها ما عادت تتحمل وجوده”.
ويرى المواطن محمد العلاونة “أن اختفاء الغراب ليس مجرد حدث بيئي، بل هو تحول اجتماعي كبير، حاليا الناس تتنفس براحة، والطيور الأصلية بدأت تعود، وهذا مؤشر على أن العقبة تستعيد توازنها الطبيعي، وتستحق أن تُحتفى بها كمدينة خالية من التشاؤم”، مشيرا إلى “أن اختفاء الغراب الهندي قد يبدو تفصيلا صغيرا، لكنه في وجدان العقباويين حدث كبير، أعاد إليهم شعورا بالجمال والنقاء، في مدينة تعيد ترميم ملامحها الطبيعية”.
وبهذا الخصوص، يقول الخبير محمد أسعد “إن طائر الغراب القادم عبر البواخر منذ عقود إلى العقبة، يعد من أكثر الطيور قدرة على التكيف في البيئات الحضرية، وهو طائر ذكي للغاية، يتمتع بقدرة على حل المشكلات واستخدام الأدوات، وهي صفات نادرة في عالم الطيور، لكن الذكاء لا يعني بالضرورة فائدة بيئية، فوجوده في مناطق مثل العقبة يُثير قلقا بيئيا متزايدا”، مؤكداً “أن هذا الطائر ينتمي إلى فئة الطيور الغازية، وقد دخل إلى بيئات غير موطنه الأصلي عبر أنشطة بشرية غير منظمة، مثل النقل البحري والسياحة”.
وأضاف أسعد “أن في العقبة، لاحظنا أن الغراب الهندي يتغذى على النفايات ويهاجم أعشاش الطيور المحلية، ما يؤدي إلى تراجع أعداد أنواع مهمة مثل البلبل والحمام الجبلي، كما أنه يُصدر أصواتا مزعجة ويُظهر سلوكا عدوانيا تجاه البشر أحيانا، خصوصا في المناطق السياحية”، مشيرا في الوقت ذاته، إلى “أن اختفاءه المفاجئ في بعض أحياء العقبة قد يكون مؤشرا على تغيرات بيئية أو تدخل بشري مباشر، مثل حملات الإبادة أو تغير مصادر الغذاء، لكن الأهم من ذلك هو أن هذا الاختفاء يمنحنا فرصة لإعادة تقييم التوازن البيئي في المدينة، وتحديد ما إذا كانت الأنواع المحلية بدأت تستعيد موائلها”.
كما أكد “أهمية عمل وإجراء مسح بيئي شامل لتوثيق أثر الغراب الهندي على التنوع الحيوي في العقبة، مع إشراك المجتمع المحلي في رصد الطيور وتوثيق سلوكها، لا سيما أن هناك طائرا جديدا غازي اسمه (طائر المينا) ففهمنا لهذا الطائر لا يجب أن يقتصر على كونه مزعجا، بل يجب أن يُنظر إليه كمرآة تعكس علاقتنا بالبيئة الحضرية”.
وأكد مصدر رسمي من سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، فضل عدم الكشف عن اسمه، وجود “تحرك بيئي غير معلن للتعامل مع مشكلة الطائر الغازي”.
وأضاف “نحن نراقب التوازن البيئي للمدينة، ونتعامل مع أي عنصر مهدد للتنوع أو الجمال الطبيعي”.