بقلم: رائد سليمان الخشمان
انعدام الأمن من أسوأ ما تواجهه المجتمعات الانسانية التي حكمتها القوانين ونظمت شؤونها منذ بدء الخليقة، فكانت الحضارات الانسانية الناجحة التي تتمتع بأنظمة وقوانين عادلة ورادعة هي التي تسود وتسيطر على مساحات شاسعة وتحكم الشعوب الأخرى عبر التاريخ. والملاحظ للأسف ازدياد جرائم القتل والاعتداء والتحرش الجنسي والمتاجرة بالمخدرات والسلب والنهب المسلّح بنسب مضاعفة وخصوصاً خلال ربع القرن الأخير في بلدنا. لقد استبشر الأردنيون خيراً بإنطلاق الحملة الأمنية ضد المجرمين وأصحاب السوابق والبلطجية فارضي الأتاوات، وأتساءل كما العديد من الأردنيين، هل هذه الحملة ردة فعل للحادث المؤسف الذي حصل مؤخراً؟ ولماذا تكون خططنا وأفعالنا مبنيّة دائماً على الاستجابة (ردة فعل) لحوادث يذهب ضحيتها أبرياء وتُنتهك حرمات وتُهدر أموال، بدلاً من وضع خطط أمنية وقائية إستباقيّة تحافظ على أرواح وممتلكات الناس (الفعل)؟
ان كرامة الانسان الاردني يجب ان تُصان كما نصّ الدستور الاردني، وعليه يجب ان ينسجم قانون العقوبات مع دستور الدولة، ويحتوي على عقوبات رادعة لكل من يمسّ دماء وأموال وكرامة وأمن الأردنيين بسوء، وهذا يتطلّب إعادة النظر كليّاً بقانون العقوبات الاردني لتتناسب الأحكام مع حجم الجرائم المرتكبة، ففرض الأتاوات هي مثلها مثل السطو المسلّح طالما تم التهديد بإستخدام العنف والسلاح والقوة، وهي جريمة تقع تحت بند الأرهاب، لأن فيها تهديد للأمن والسلم المجتمعي وتقييد لحرية الناس وإنتهاك لكراماتهم، وإستباحة لأموالهم، وأستغرب كيف للقوانين أن تدين شخصاً دافع عن قوته ورزقه ضد من ينهبه، وتعامله معاملة المجرم ويقضي عقوبة جراء ذلك، حتى لو أرتكب جريمة القتل بحق المعتدي. فقد جاء رجل إلى النبيّ – عليه الصلاة والسلام، وسأله: (يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مالِي؟ قالَ: فلا تُعْطِهِ مالَكَ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: قاتِلْهُ، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: فأنْتَ شَهِيدٌ، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قالَ: هو في النَّارِ). ان تحديث العقوبات يتطلّب أيضاً إيقاع عقوبات قاسية بحق من يتقدّم بشكوى كيدية، كما يفعل بعض المجرمين حيث يقومون بإفتعال تعرّضهم للأذى من قبل الطرف الضحيّة من اجل ابتزازه للتنازل عن حقه الخاص وتخفيفاً للعقوبة، وهذا تحايل وتضليل للعدالة يجب تجريمه بشدّة بحيث يتردد المعتدي كثيراً ويخاف عواقبه قبل اللجوء الى هذا الخيار.
ان من محاسن الصدف ان تتزامن هذه الحملة الأمنية مع موعد الإنتخابات النيابية خصوصاً بعد ربط الكثيرين من هؤلاء الزعران ببعض النوّاب، حيث يتبادر للذهن العديد من التساؤلات حول طبيعة العلاقة التي تربطهم بالنواب وما اذا كان لهم تأثير ما على الساحة الانتخابية، والا فما تفسير أنهم يحضون بالرعاية والتكفيل والامتيازات، ويرتبطون بعلاقات وثيقة وحميمة مع بعضهم، اليس من الممكن أن يُفرض على الناس في المجلس القادم بعض النواب البلطجية أصحاب المصالح ورؤوس الأموال في بعض الدوائر، بإستخدام المال الأسود ومن خلال الدفع بأولئك الزعران لتهديد الناس وتوجيه خياراتهم، أن انتخبوا فلان والا؟! هي مجرد فرضيّة استنتاجية، ولا تستند لأي دليل أملكه، ولكنها افتراض يقتضي البحث والتحري عنه ضمن نطاق مسؤولية الدولة التي يجب أن تُراقب أجهزتها المختلفة، وتتأكد من افراز نواب يتمتعون بالقبول الشعبي ويفرزهم الناس بنزاهة وشفافية وحرية – لا بالمال الأسود أو بتهديد أصحاب الأتاوات.
ان وجود حكومة قوية مدعومة بمجلس نواب رقابي وتشريعي قوي، ستُحسّن من أوضاع البلد في هذه الظروف الصعبة لتعبر بنا الى شاطئ الآمان في ظل مديونية متفاقمة وسياسات اقتصادية خاطئة أرتكبتها الحكومات المتعاقبة، فالحاجة ماسّة الى تشريعات تُفيد المجتمع أمنيّاً وإجتماعياً وإقتصادياً وإداريّاً. ان فرض هيبة الدولة التي انحدرت كثيراً خلال الفترة الماضية، يجب أن يرافقة خطة محكمة التطبيق تشمل كافة مناطق المملكة، فالمشكلة عامة وان اختلفت حدّتها من منطقة لأخرى، كذلك يجب العمل على تحديث قانون العقوبات ومضاعفة العواقب لردع هؤلاء الأشرار، والقضاء على هذه الظواهر السيئة التي تلوّث مجتمعنا الطيب الاصيل، وتقضّ مضاجعه كل فترة بأخبار الجرائم الصادمة والغريبة عن قيم ومعتقدات وعادات مجتمعنا الأصيلة، وهي مسؤولية يتحمّلها مجلس النواب وأعضاء الحكومات، وذنب الأرواح والممتلكات التي تهدر في رقابهم أمام الله والشعب، فحياة الناس أمانة بين ايديكم، وأمنهم أدنى حقوقهم في الحياة، وواجب الأجهزة الأمنية ملاحقة هؤلاء الشذّاذ، ومراقبة جميع التجمعات السكانية الكبرى، والنقاط الساخنة استخبارتيّاً وأمنيّاً لضمان سلامة الناس وحريتهم ضمن نطاق مسؤوليات تلك الأجهزة وصلاحيّاتها، وكذلك تطهير الأجهزة الأمنية وأجهزة البلديات والأمانة من أي متواطئ معهم لا سمح الله – ان وجد، مع ثقتنا المطلقة بهم – من خلال تفعيل أجهزة الرقابة الداخلية لها للتأكد من عدم اختراقها، فهذه حرب مع عتاة المجرمين المدعومين بالمال الحرام، والمواجهة فيها تتطلّب حُسن التخطيط واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر.