اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي عقب تعرض روسيا لأقوى ضربة عسكرية في تاريخها الحديث، بعد هجوم أوكراني وصفه بعض المغردين بأنه يعادل في تأثيره ضربة “بيرل هاربر” الشهيرة التي أدت إلى دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية.
وسبب الضجة هو تنفيذ أوكرانيا إحدى أخطر العمليات الاستخباراتية خلال الحرب الجارية؛ حيث استخدمت عشرات الطائرات المسيّرة الذكية في هجوم جريء استهدف قواعد جوية رووطنا اليوم:سية داخل الأراضي الروسية نفسها.
وانطلقت التحليلات والتوقعات عبر وسائل التواصل حول طبيعة الرد الروسي المحتمل، فهناك من رجح أن ترد موسكو بضربة مزلزلة على العاصمة الأوكرانية كييف، خاصة بعد أن أقدمت أوكرانيا على هذه العملية النوعية التي استهدفت مطارات وقواعد عسكرية في 4 مناطق روسية في 3 موجات متتالية.
أما التوقعات بشأن الرد الروسي فيرى بعض المدونين أنها تتراوح بين شن هجوم صاروخي ضخم على كييف والبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، أو حتى اللجوء إلى استخدام السلاح النووي التكتيكي في شرق أوكرانيا كوسيلة للردع والانتقام.
ولا يستبعد مراقبون أن يؤدي هذا التصعيد إلى مواجهة أوسع قد تجر حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى ساحة الحرب، خصوصا مع عدم اكتمال استعداداته الدفاعية بعد الفتور الأميركي عن دعم.
وشنت أوكرانيا أمس الأحد واحدة من أكبر هجماتها في الحرب مع جارتها روسيا، إذ استهدفت قاذفات روسية بعيدة المدى ذات قدرة نووية في سيبيريا وقواعد عسكرية أخرى مما ألحق أضرارا وخسائر مادية كبيرة.
فما الذي حصل أمس في هجوم “شبكة العنكبوت” الذي وصف بالأكثر ضراوة، وكلف روسيا نحو 7 مليارات دولار خلال دقائق معدودة وبأسلحة رخيصة الثمن؟
كيف وقع الهجوم؟
استهدفت أوكرانيا بطائرات مسيرة خفيفة قاذفات روسية بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية في قاعدة عسكرية بسيبيريا، وهو أول هجوم من نوعه حتى الآن حيث تبعد خطوط المواجهة أكثر من 4300 كيلومتر.
وأظهرت مقاطع فيديو وصور نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي قاذفات إستراتيجية روسية، الغرض منها إسقاط قنابل نووية على أهداف بعيدة، وهي تحترق في قاعدة بيلايا الجوية شمال إيركوتسك بعد انقضاض عشرات المسيرات الأوكرانية عليها.
وقالت أجهزة الأمن الأوكرانية إنها نفذت “عملية خاصة واسعة النطاق” استهدفت 4 مطارات عسكرية في أنحاء روسيا.
وأضافت أن نحو 41 طائرة روسية تستخدم “لقصف المدن الأوكرانية” أصيبت، مشيرة خصوصا إلى قاذفات إستراتيجية من طرازات “تو-95″ و”تو-22” وطائرات رادار من طراز “إيه-50”.
وتنفذ أوكرانيا بانتظام هجمات بطائرات مسيّرة على مواقع داخل روسيا خلال الحرب المستمرة بينهما منذ 3 أعوام، ولكن هذه المرة يبدو أنها استخدمت أسلوب عمل مختلفا تماما.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن المسيّرات أطلقت من مواقع “في المنطقة المجاورة مباشرة” للمطارات، أي من داخل الأراضي الروسية. وأوضحت أن الهجوم استهدف أيضا مطارات أخرى في مناطق إيفانوفو وريازان وأمور، عند الحدود مع الصين في أقصى شرق روسيا، لكن تم صدها.
ما الأسلحة المستخدمة؟
وفق مصادر أوكرانية، فقد قامت كييف بتهريب طائرات مسيّرة إلى روسيا، حيث تم إخفاؤها بعد ذلك في هياكل خشبية بأسقف حاويات شحن تم فتحها عن بعد لإطلاق المسيّرات.
وأظهرت مقاطع فيديو، نقلتها وسائل إعلام روسية لكن لم يتم التحقق من صحتها، طائرات مسيّرة تنطلق من شاحنات.
وأكد الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن أحد الأماكن التي أعد فيها الهجوم في روسيا “يقع بجانب مكتب” جهاز الأمن الفدرالي الروسي (إف إس بي).
وتم التخطيط للعملية الأوكرانية التي تحمل الاسم الرمزي “شبكة العنكبوت”، منذ أكثر من عام ونصف، وأشرف عليها زيلينسكي، وفقا للمصادر الأوكرانية.
وأكد زيلينسكي أن الهجوم تم باستعمال 117 مسيّرة وعدد مماثل من العناصر الذين “تم إخراجهم من الأراضي الروسية في الوقت المناسب”.
لماذا لم تكتشفه موسكو؟
على الرغم من أن الجيش الروسي لم يعلن تفاصيل كثيرة عن الهجوم وتفاصيله والأضرار الناجمة عنه، فإن مدونين ومحللين روسيين تحدثوا عما وصفوه بفشل استخباراتي لبلادهم.
واستنكر مدونون عسكريون روس “يوما أسود للطيران” في بلادهم بعد خسائر تعرضت له عدة مطارات روسية وما يدور الحديث عن إعطاب وتدمير حوالي 40 طائرة بينها قاذفات إستراتيجية تبلغ قيمتها جميعا حوالي 7 مليارات دولار.
واعتبرت قناة تليغرام “ريبار” المقربة من الجيش الروسي أن “هذه، دون مبالغة، ضربة قاسية للغاية”، منددة بـ”أخطاء خطرة” ارتكبتها الاستخبارات الروسية.
وعلى الطرف المقابل، أشاد زيلينسكي على غرار مسؤولين أوكرانيين آخرين بالنتائج ووصفها بأنها “رائعة للغاية” و”تستحق أن تذكر في كتب التاريخ”.
ما الخسائر الناجمة؟
أعلن جهاز الأمن الأوكراني الأحد أن الهجوم بالمسيّرات الذي نفّذه ألحق أضرارا بالطيران العسكري الروسي تقدّر كلفتها بـ7 مليارات دولار، وطال ما نسبته 34% من القاذفات الروسية الإستراتيجية التي تحمل صواريخ كروز.
واليوم الاثنين، قال المسؤول في مجلس الأمن والدفاع الوطني الأوكراني أندريه كوفالينكو إن أوكرانيا دمرت 13 طائرة على الأقل خلال الهجوم على قواعد جوية روسية أمس الأحد، في وقت أكدت فيه مصادر أوكرانية أخرى أن عدد الطائرات التي تم تدميرها أو تضررت يبلغ أكثر من 40.
من جهتها، اعترفت وزارة الدفاع الروسية “باندلاع النيران في طائرات عدة بعد إطلاق مسيّرات” في منطقتي مورمانسك وإيركوتسك الواقعتين على التوالي في القطب الشمالي الروسي وشرق سيبيريا، إلا أنها لم تقدم تفاصيل إضافية عن حجم الخسائر وقيمتها.
ما التداعيات؟
في وقت يتوقع فيه مراقبون أن يكون الرد الروسي “قاسيا” و”غير مسبوق” على الهجوم الأوكراني الكبير والمفاجئ الذي استهدف مطارات عسكرية بعيدة عن الحدود بين البلدين، تلتزم موسكو الصمت رسميا في الحديث عن هذا الرد.
وتشبه بعض الأوساط السياسية والإعلامية الروسية ضربات الأحد واستهداف القاذفات الروسية بالمعنى الإستراتيجي بحادثة “بيرل هاربر الأميركية” التي كانت سببا بدخول الولايات المتحدة بالحرب العالمية الثانية وضربها لليابان بالقنابل النووية.
ورأى بعض المحللين أن ضربة الأحد تمس العقيدة النووية الروسية التي عدلتها موسكو خلال الحرب، وذلك كونها استهدفت القاذفات الإستراتيجية، وهذا يستدعي “ردا نوويا من قبل روسيا”، إلا أن موسكو حتى الآن لم تفصح رسميا عن خسائرها أو ردها المتوقع أو الذي تنوي القيام به.
لكن الصمت الرسمي لم يمنع موسكو من مواصلة هجماتها الجوية شبه اليومية على الأراضي الأوكرانية، وقالت القوات الجوية الأوكرانية أمس الأحد إن روسيا أطلقت 472 طائرة مسيرة على البلاد خلال ساعات، وهو أعلى عدد للطائرات المسيرة في هجوم ليلي خلال الحرب.
وقالت القوات الجوية الأوكرانية -في بيان- إن روسيا أطلقت أيضا 7 صواريخ. وأضافت أنه جرى إسقاط 382 من الطائرات المسيرة أو تحييدها، إلى جانب إسقاط 3 من الصواريخ.
توقيت الهجوم؟
يأتي الهجوم الأوكراني الكبير في وقت تكثف فيه واشنطن مساعيها لإيجاد نهاية للحرب بين موسكو وكييف، وفي ظل تراجع عسكري أوكراني على بعض الجبهات ومحاولات كييف حشد الدعم الغربي مجددا لمواجهة الهجوم الروسي واستعادة الأراضي التي سيطرت عليها موسكو خلال الحرب.
كما أنه جاء قبل يوم واحد من اجتماع مسؤولين روس وأوكرانيين اليوم الاثنين في مدينة إسطنبول بتركيا لإجراء الجولة الثانية من محادثات السلام المباشرة منذ 2022.
ويرى محللون أن توقيت الهجوم الأوكراني القوي وغير المسبوق يأتي للحصول على موقع قوة على طاولة المفاوضات في إسطنبول، لأنه وكما هو معروف أن القوي أو المنتصر هو الذي يفرض شروطه عادة عند وضع السلاح أو الجنوح للسلم.
ومنذ عودته إلى كرسي الرئاسة في يناير/كانون الثاني الماضي، يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب روسيا وأوكرانيا بإحلال السلام، لكنهما لم تتوصلا حتى الآن إلى اتفاق، وحذر البيت الأبيض مرارا من أن الولايات المتحدة “ستنسحب” من جهود إنهاء الحرب إذا حال عناد الجانبين دون التوصل إلى اتفاق سلام.
وأسفرت الجولة الأولى من المحادثات في 16 مايو/أيار الماضي عن أكبر عملية تبادل للأسرى في الحرب، لكنها لم تسفر عن أي بادرة سلام، أو حتى وقف لإطلاق النار، إذ اكتفى الطرفان بتحديد موقفيهما التفاوضيين المبدئيين.