فادي السمردلي يكتب: المصالح الفئوية وأثرها في فشل الأحزاب

دقيقة واحدة ago
فادي السمردلي يكتب: المصالح الفئوية وأثرها في فشل الأحزاب

بقلم فادي السمردلي

الإرتباط بالمصالح الفئوية يعد من أخطر العوامل التي تؤدي إلى تآكل الأحزاب السياسية من الداخل، حيث يتسبب في إنحراف الحزب عن دوره الأساسي المتمثل في تمثيل المجتمع بكل فئاته والدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى، ليتحول بدلاً من ذلك إلى أداة لحماية المصالح الضيقة لفئات محددة، غالبًا من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ وهذا النوع من الارتباط يُفقد الحزب إستقلاليته، حيث يصبح قراره السياسي موجهاً لخدمة طبقة معينة بدلاً من أن يكون منبثقًا عن رؤية وطنية جامعة، وهو ما يؤدي تدريجياً إلى فقدان الحزب لثقة الجماهير وإضعاف دوره في الحياة السياسية.

أحد المظاهر الواضحة لهذه الظاهرة هو سيطرة رجال الأعمال على قرارات الحزب، إذ يستخدم بعض أصحاب النفوذ الاقتصادي مواقعهم داخل الحزب لتوجيه سياساته نحو حماية مصالحهم التجارية والمالية، دون النظر إلى مدى توافق هذه المصالح مع المصلحة الوطنية العامة ففي مثل هذه الأحزاب، لا يعود المعيار الأساسي لشغل المناصب القيادية هو الكفاءة أو الالتزام بالمبادئ السياسية، بل يصبح النفوذ المالي هو المحدد الرئيسي، مما يؤدي إلى اختلال كبير في آلية صنع القرار داخل الحزب فبدلاً من أن تكون الأولويات هي خدمة المجتمع وتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة، نجد أن القرارات الحزبية تُصاغ وفقاً لمتطلبات الطبقة المسيطرة، وهو ما يترتب عليه إقصاء الكفاءات والشخصيات السياسية القادرة على إحداث تغيير حقيقي.

ومن أخطر التداعيات المترتبة على هذه السيطرة هو تحول الحزب إلى أداة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة وفي ظل هذا الوضع، تصبح السياسات الحزبية مسخّرة لعقد الصفقات المشبوهة، سواء من خلال توجيه المشاريع الاقتصادية لخدمة رجال الأعمال المرتبطين بالحزب، أو من خلال إستغلال السلطة السياسية للحزب في تسهيل العقود والامتيازات لبعض الشركات والأفراد دون مراعاة الشفافية أو العدالة في توزيع الفرص ومثل هذه الممارسات تؤدي إلى إستشراء الفساد داخل الحزب، حيث يتم إهدار الموارد العامة لصالح فئة قليلة، مما يفاقم التفاوت الاجتماعي والإقتصادي داخل المجتمع، ويؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين في الحزب.

أما الأخطر من ذلك فهو لجوء بعض الأحزاب التي تسيطر عليها المصالح الفئوية إلى التمويل الخارجي المشبوه، حيث تعتمد على دعم مالي من جهات خارجية، سواء كانت دولاً أخرى أو منظمات ذات أجندات خاصة هذا النوع من التمويل يجعل الحزب خاضعاً لإملاءات القوى الخارجية التي تقدم له الدعم، مما قد يدفعه إلى إتخاذ مواقف سياسية تتعارض مع المصلحة الوطنية مقابل الحفاظ على إستمرارية تدفق الأموال وعادةً ما يكون لهذا النوع من التمويل تأثيرات سلبية بعيدة المدى، حيث يصبح الحزب أداة لتنفيذ سياسات لا تخدم المواطنين، بل تخدم الجهات المانحة، مما يهدد السيادة الوطنية ويجعل القرارات الحزبية مرتهنة لأطراف خارجية.

كل هذه العوامل تؤدي إلى نتائج كارثية على الحزب نفسه وعلى الحياة السياسية بشكل عام فمن ناحية، يفقد الحزب مصداقيته أمام الشعب، حيث يدرك المواطنون أنه لم يعد يمثل تطلعاتهم، بل يعمل لمصلحة فئة ضيقة وهذا التآكل في الثقة ينعكس على قدرة الحزب في حشد التأييد الشعبي، وقد يؤدي إلى فقدانه لمكانته في الانتخابات أو حتى انهياره على المدى الطويل بالإضافة إلى ذلك، فإن تفشي الفساد المالي داخل الحزب يجعله بيئة غير جاذبة للسياسيين النزيهين وأصحاب الرؤى الإصلاحية، مما يخلق دائرة مغلقة من الفساد والمحسوبية يصعب كسرها كما أن الحزب يتحول تدريجياً إلى مجموعة مصالح اقتصادية بدلاً من أن يكون كياناً سياسياً، وهو ما يؤدي إلى تفكك بنيته التنظيمية وضعف قدرته على التأثير في المشهد السياسي.

في النهاية، يمكن القول إن ارتباط الأحزاب بالمصالح الفئوية لا يؤدي فقط إلى إضعافها على المستوى الداخلي، بل يساهم أيضاً في تقويض ثقة المواطنين في النظام السياسي ككل، حيث يؤدي انتشار الفساد والمحسوبية إلى إحباط الرأي العام وإضعاف الإيمان بالعملية الديمقراطية ومن هنا، فإن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تعزيز مبادئ الشفافية داخل الأحزاب، ووضع آليات رقابية صارمة لمنع تحوّل القرارات الحزبية إلى أدوات لخدمة المصالح الضيقة، وضمان استقلالية الأحزاب عن أي تمويل خارجي قد يهدد السيادة الوطنية