بقلم فادي زواد السمردلي
#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال
“على هامان يا فرعون” هو مثل شعبي عميق الدلالة، يستخدم للسخرية من تجاوز السلطة حدودها المنطقية وتغولها إلى حد الغرور والطغيان ويستمد هذا المثل جذوره من القصة القرآنية لهامان، وزير فرعون، الذي كان أداة طيعة في يد سيده، ينفذ أوامره بلا وعي أو تفكير، حتى عندما أمره فرعون ببناء صرح ليبلغ السماوات ليتحدى رب العالمين فهذه الحكاية تعكس رمزية عميقة لغطرسة بعض القادة حين تتجاوز حدود العقل، وتصبح مجرد أداة لإشباع الأنا والغرور الشخصي، وهو ما نراه اليوم متجسدًا في سلوكيات بعض القيادات في بعض الأحزاب السياسية، التي تمارس السلطة وكأنها ملكية شخصية لا تخضع لأي مساءلة.
في العديد من الساحات، نجد أن بعض القيادات تعيد إنتاج نموذج فرعون وهامان بشكل معاصر فهذه القيادات تتعامل مع المنظومة كما لو أنها إرث خاص بها، تتلاعب بمصيرها لخدمة أجندات شخصية بعيدة كل البعد عن الأهداف الحقيقية التي تأسست من أجلها وفي ظل هذه الديناميكية، تتحول الأحزاب من أدوات للتغيير وخدمة المجتمع إلى منابر للتسلط وإقصاء المخالفين، تمامًا كما كان هامان يمثل يد فرعون الحديدية، التي تحطم كل من يقف في طريقها.
هذه النزعة الاستبدادية تتجلى في قرارات فردية تصدر دون مشاورة أو مراعاة لآراء الآخرين داخل المنظومة فتصبح القيادة مرادفًا للسيطرة المطلقة، حيث يتم تهميش الكفاءات وإقصاء الأصوات المعارضة، بل وحتى محاربة رفاق الأمس إذا ما حاولوا طرح رؤية مغايرة فمثل هذا السلوك لا يضر فقط بالمنظومة نفسها بل يمتد تأثيره السلبي إلى المشهد ككل، حيث يغيب التنافس الديمقراطي القائم على الأفكار، ليحل محله صراع شخصي لتحقيق المكتسبات .
“صرح هامان” في هذا السياق الحديث ليس بناءً فيزيائيًا، بل هو صرح من الوعود الزائفة وقيادات تعد بتغيير جذري وتحقيق أحلام الشعوب، لكنها في الواقع تبني طموحات شخصية على حساب القواعد والمبادئ فيصبح الهدف ليس إلاصلاح أو خدمة المواطن، بل تحقيق مجد شخصي زائف، ينتهي في الغالب بسقوط مدوٍ يعيد تلك القيادات إلى حجمها الطبيعي.
إن هذه الأنماط من القيادات تمثل عائقًا أمام تطور العمل السياسي وتقدمه فالسياسة الحقيقية هي فن إدارة التنوع، والقدرة على خلق مساحات مشتركة للتعاون، حتى في ظل الاختلاف أما القيادات التي تكرر سيناريوهات فرعون وهامان، فهي لا ترى في السياسة سوى فرصة للهيمنة وبسط النفوذ، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير قواعد العمل السياسي وانعدام الثقة بين القاعدة الشعبية وقياداتها.
قصة “فرعون وهامان” تحمل عبرة خالدة السلطة المطلقة حين تفتقد إلى الحكمة والتواضع لا تنتج سوى الخراب وعلى القيادات أن تعي أن العمل ليس مسرحًا لإظهار القوة أو التباهي بالسلطة، بل هو ميدان لخدمة الآخرين، بناءً على مبادئ الشفافية، الشراكة، والعدالة أما من يصر على إعادة إنتاج “هامان” في المشهد المعاصر، فإن مصيره سيكون السقوط الحتمي، تمامًا كما سقط فرعون وهامان عبر التاريخ.