الأردن وغزة… بين الحقائق الراسخة وحملات التشويه المأجورة

10 ثواني ago
الأردن وغزة… بين الحقائق الراسخة وحملات التشويه المأجورة

وطنا اليوم _بقلم: د. سعيد محمد ابو رحمه

استاذ الاعلام : محاضر اكاديمي من غزة

 

في خضم العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، يبرز الدور الأردني كركيزة إنسانية ثابتة ومصدر دعم حقيقي للفلسطينيين، في وقت تصطف فيه بعض الجهات والمنصات لتوجيه سهام التشكيك والتشويه، في محاولة بائسة للنيل من هذا الدور الراسخ.

الأردن، ومن خلال الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، قدّم ولا يزال يُقدّم نموذجاً يُحتذى به في العمل الإغاثي والإنساني. منذ الأيام الأولى للعدوان، تدفقت قوافل المساعدات الأردنية إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، لتؤكد أن الدعم الأردني لا يعرف الحسابات السياسية ولا يلتفت إلى الضجيج الإعلامي الزائف.

ومع هذا الموقف النبيل، بدأت بعض المنصات الإلكترونية، التي تدّعي “الاستقلالية” بينما هي محسوبة بوضوح على أجندات مشبوهة، بمحاولات لتشويه صورة الأردن ودوره. هذه الحملات الإعلامية الموجهة، والمبنية على تقارير مدفوعة الثمن، تستهدف الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، وتشكك في مصداقيتها، وهي المؤسسة التي طالما كانت عنواناً للثقة والعطاء في أصعب الظروف.

 

في الميدان، يقف الأردن كدولة فتحت معابرها بشكل دائم ومنظّم أمام المساعدات الإغاثية والطبية. أما في الجانب الآخر، فهناك منصات إعلامية تكتفي بإطلاق الشعارات الرنانة، وتعمل – في بعض الأحيان – على تأليب الرأي العام وخدمة أجندات لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، بل تقوّضها من الداخل.

مستشفيات ميدانية، مساعدات غذائية وطبية، وعمليات إنقاذ في قلب العدوان، كلها شواهد حيّة على التزام الأردن الأخلاقي والوطني تجاه أشقائه الفلسطينيين. فهل من المنطق أن يُكافأ هذا الدور بالتشكيك والافتراء؟

إن هذه الحملات الإعلامية المشبوهة، لا تهدف فقط إلى تشويه صورة الأردن، بل تسعى لضرب أحد أهم الحلقات الداعمة للقضية الفلسطينية، وزرع الشك في وحدة الصف العربي. ومن يتورط فيها، عن قصد أو جهل، يخدم المشروع الإسرائيلي الساعي لتفكيك جبهة الدعم العربي لغزة.

سيبقى الأردن، بقيادته وشعبه، الحاضنة العربية الأوفى لفلسطين، والملاذ الإنساني الأول لغزة، مهما تعالت أصوات التزييف والتشويه. أما الحقيقة، فهي على الأرض، تراها العيون وتلمسها الأيادي في كل بيت في غزة.

في وقتٍ فقدت فيه كثيرالمؤسسات الإغاثية الحياد، وصار العمل الإنساني مرهونًا بالاصطفافات السياسية، نجحت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية في الحفاظ على مكانتها كجسر نقي بين الأردن وفلسطين، وكمؤسسة تعمل بهدوء وثقة، بعيدًا عن أضواء الاستعراضات الإعلامية.

فأكثر من 140 قافلة مساعدات إغاثية وطبية وإنسانية تم توجيهها إلى قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير، وهي ليست مجرد أرقام، بل شريان حياة فعلي لمليون ونصف المليون إنسان محاصر بين النار والدمار. ولم تتوقف الهيئة عند حدود الإغاثة، بل أسهمت أيضاً في نقل الجرحى وعلاجهم، وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية، دون أي تمييز أو استثمار سياسي.

في مقابل هذا الفعل النبيل، تظهر بعض المنصات والمواقع التي ترتدي عباءة “الإعلام المستقل”، لكنها في الحقيقة مُمولة وتعمل وفق أجندة سياسية واضحة، غالباً ما تتقاطع مع أدوات جماعة الإخوان المسلمين أو توجهات متحالفة معها في المنطقة.

ما نُشر مؤخراً في أحد المواقع اللندنية، وما يتضمنه من هجوم واضح على الهيئة الخيرية الأردنية، ليس أكثر من محاولة تضليل ممنهجة هدفها الأساسي هو تفكيك الدعم العربي لغزة، وتحويل النقاش من دعم الضحية إلى شيطنة من يمدّ لها يد العون. والأخطر من ذلك أن هذه الحملات تصب – بشكل مباشر أو غير مباشر – في خدمة الرواية الإسرائيلية التي طالما سعت لتقويض أي دور عربي حقيقي داخل الأراضي الفلسطينية.

ليس خفيًا أن الموقف الأردني تجاه فلسطين ليس وليد أزمة أو لحظة، بل هو موقف بنيوي راسخ في السياسة الأردنية، منذ تأسيس الدولة وحتى اليوم. الملك عبد الله الثاني كان وما يزال من أبرز الأصوات الدولية المدافعة عن القضية الفلسطينية في كل المحافل، ويضع القدس وغزة على رأس أولويات الخطاب السياسي الأردني، دون مواربة أو مساومة.

دعم الأردن لغزة لا ينفصل عن موقفه الراسخ تجاه القدس والمقدسات، ولا عن عمقه التاريخي والديموغرافي مع الشعب الفلسطيني، وهو ما يجعل أي محاولة لتشويه هذا الدور كمن يحرث البحر.

في زمن التحولات القاسية والرهانات المتقلبة، يبقى الأردن ركيزة في المعادلة الفلسطينية. والمزايدون، مهما علا صوتهم أو كثُرت منصاتهم، لا يملكون من المصداقية ما تملكه قافلة إنسانية واحدة خرجت من عمان إلى غزة.