بين مطرقة الأطماع الصهيونية وسندان المصالح الأميركية: أين يقف الأردن وكيف يحوّل التحدي إلى فرصة؟

25 ثانية ago
بين مطرقة الأطماع الصهيونية وسندان المصالح الأميركية: أين يقف الأردن وكيف يحوّل التحدي إلى فرصة؟
بقلم: لؤي البشير
في عالم يموج بالتحولات، تبرز منطقتنا كأحد أكثر المسارح السياسية تعقيدًا وخطورة.
اليوم، تقف حكومة إسرائيلية هي الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، وقد وضعت نصب عينيها فرض الأمر الواقع على الأرض الفلسطينية، لا سيما في الضفة الغربية والقدس، وسط انحسار الدعم الدولي للفلسطينيين وتآكل الإجماع العربي.
ومن جهة أخرى، تعود الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب – في ظل أجواء انتخابية أميركية محتدمة – لتُعيد طرح مشروعها الإقليمي بنكهة اقتصادية وتجارية هذه المرة، عبر اتفاقيات وتفاهمات تسعى لإعادة رسم خارطة النفوذ والثروات في الشرق الأوسط، تحت شعار “السلام والازدهار”، ولكن بما يخدم مصالحها أولًا.
وسط هذه اللوحة المعقدة، يبرز السؤال الجوهري: أين موقع الأردن من هذه المعادلة؟ وكيف يمكن له أن يحوّل هذا الضغط المزدوج إلى فرصة استراتيجية؟
أولًا: الموقع الأردني… وزن أكبر من حجمه الجغرافي
منذ عقود، استطاع الأردن الحفاظ على موقعه كحلقة وصل إقليمية لا غنى عنها.
بفضل موقعه الجغرافي، واستقراره السياسي، واعتداله الدبلوماسي، أصبح لاعبًا يُحسب له حساب في كل الملفات الساخنة: من القضية الفلسطينية، إلى الأمن الإقليمي، إلى ملفات المياه والطاقة واللاجئين.
اليوم، ومع تصاعد الأطماع الإسرائيلية المدفوعة بأجندات استيطانية، ومع تجدد الاهتمام الأميركي بالمنطقة من زاوية اقتصادية وتجارية، يجد الأردن نفسه أمام لحظة مفصلية:
إما أن يلعب دور الجسر والموازن الذكي، وإما أن يُقصى من معادلة تقاسم النفوذ والثروات.
ثانيًا: كيف نستغل الوضع الراهن لمصلحة الأردن؟
1. تعظيم الدور الدبلوماسي الأردني
الأردن يتمتع بمصداقية دولية عالية بفضل سياسة جلالة الملك عبدالله الثاني المتزنة والمبنية على الشرعية الدولية.
يمكن للأردن أن يستثمر هذه المكانة لقيادة جبهة دبلوماسية عربية ودولية ترفض الإملاءات الإسرائيلية – الأميركية، وتطرح مبادرة بديلة تعيد للمنطقة التوازن وتُعيد فلسطين إلى قلب المفاوضات.
2. تحويل الجغرافيا إلى رافعة اقتصادية
في ظل المشاريع الإقليمية الكبرى، مثل الربط الكهربائي والمشاريع اللوجستية والموانئ، يجب أن يفاوض الأردن بذكاء لضمان موقع محوري في سلاسل التوريد والطاقة والنقل، بدل أن يكون مجرد ممر أو ضحية للتفاهمات الإقليمية.
3. استقطاب الاستثمارات الذكية
يمكن للأردن أن يستغل اهتمام الولايات المتحدة والمنطقة لتعزيز موقعه كمركز إقليمي للتكنولوجيا، والسياحة، والخدمات، عبر:
•تقديم حوافز ضريبية وجمركية.
•تحسين بيئة الأعمال.
•تسريع الشراكات مع القطاع الخاص.
4. حماية الأمن الوطني وتعزيز الوحدة الداخلية
الضغط الخارجي يتطلب جبهة داخلية متماسكة.
هذا يعني:
•دعم الطبقة الوسطى.
•تحسين فرص العمل للشباب.
•مكافحة الفساد بفعالية.
•إشراك المجتمع في اتخاذ القرار.
5. إعادة تعريف العلاقة مع واشنطن وتل أبيب
بدلًا من القبول بسياسة “خذ أو اترك”، يمكن للأردن أن:
•يعيد التفاوض على ملف المساعدات الأميركية، بحيث لا تكون فقط مالية بل أيضًا تقنية وتنموية.
•يُعيد ضبط علاقته مع إسرائيل بناءً على التزامها بالاتفاقيات، وخاصة فيما يتعلق بالوصاية الهاشمية على المقدسات، وحقوق الفلسطينيين.
ثالثًا: الحل يبدأ بجرأة القرار
المرحلة المقبلة لا تحتمل سياسة الانتظار.
على الأردن أن ينتقل من موقع المتلقي للضغوط إلى موقع المبادر بالمبادرات، مستفيدًا من ثقة المجتمع الدولي به، ومن حجم الرصيد السياسي الذي راكمه عبر العقود.
اليوم، لا يكفي أن نقول “نرفض” أو “نحذر”.
المطلوب خارطة طريق واضحة:
•ماذا نريد؟
•ما الذي نقبله وما الذي نرفضه؟
•وما هي أوراق القوة التي نمتلكها لنُحقق مصالحنا بثقة؟ 
ختاماً الفرصة في قلب التحدي
في لحظة تبدو قاتمة للبعض، يستطيع الأردن، بحكمته ودبلوماسيته وطاقاته البشرية، أن يصنع لنفسه مكانًا جديدًا في المنطقة.
فالضغط يمكن أن يُولّد الانفجار، أو يُنتج اللؤلؤة.
والأردن اليوم، أمام فرصة نادرة، ليكون تلك اللؤلؤة السياسية والاقتصادية في بحر مضطرب