بقلم : عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
في مشهد بات يتكرر بوجوه متعددة، نشهد اليوم مؤشرات تصعيد خطير بين الهند وباكستان، دولتان نوويتان في جنوب آسيا، إحداهما ذات توجه قومي هندوسي متطرف (الهند)، والأخرى ذات غالبية إسلامية (باكستان). مشهد يبدو للوهلة الأولى وكأنه خلاف حدودي أو سياسي، لكنه في جوهره صراع حضاري، وصدام أيديولوجي، تغذّيه قوى دولية، في مقدمتها أميركا وإسرائيل، لتحقيق أجندات توسعية واستراتيجية واضحة ضد الأمة الإسلامية.
الهند.. أمّة البقر أم أمّة التطرف؟
بينما تسعى باكستان منذ عقود إلى دعم القضايا العربية والإسلامية، نجد أن الهند، بقيادة حكومة ناريندرا مودي وحزبه المتطرف “بهاراتيا جاناتا”، تغرق في نزعة قومية هندوسية تُقصي المسلمين وتضطهدهم، وتتباهى بتحالفاتها مع إسرائيل، وتُغازل أميركا علنًا.
أي وقاحة سياسية هذه حينما تقف واشنطن، التي تدّعي حماية الحريات وحقوق الإنسان، إلى جانب حكومة تقتل المسلمين في كشمير وتحرق المساجد؟ أم أن دم المسلم رخيص لا قيمة له في بورصة المصالح الأميركية؟
باكستان.. الحليف المنسي في أزمات العرب
لطالما كانت باكستان حائط صد أمام التوسع الإيراني في الخليج، ومصدر دعم استراتيجي للسعودية وغيرها من دول الخليج، ومدافعة صلبة عن قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. واليوم، حين تتعرض لضغط عسكري وسياسي واقتصادي هندي، هل سيكون الرد العربي والإسلامي مجرد صمت؟ أم كلمات دبلوماسية باهتة في بيانات ركيكة؟
أميركا وإسرائيل.. محور الشر الحديث
لا يخفى على أحد أن أميركا لم تكن يومًا محايدة، فهي الراعي الرسمي لكل ما يضر بالعالم الإسلامي، من غزو العراق إلى تمزيق سوريا وليبيا، واليوم تُحرك خيوط التصعيد بين الهند وباكستان؛ بهدف زعزعة استقرار جنوب آسيا، وتقليص نفوذ الصين، ومحاصرة أي مشروع إسلامي مستقل.
أما إسرائيل، فترى في الهند حليفًا طبيعيًا، يتقاسم معها الكراهية ذاتها تجاه المسلمين، ويقدم لها سوقًا ضخمًا لتسويق السلاح والتقنيات الأمنية ضد “الإرهاب الإسلامي”، حسب وصفهم.
الصين.. المراقب الصامت أم الحليف المتربص؟
الصين، وإن كانت تنتهج سياسات براجماتية، إلا أنها تدرك تمامًا أن زعزعة باكستان هو تهديد مباشر لمشروع “الحزام والطريق”، ولنفوذها في آسيا الوسطى. وعليه، من المتوقع أن تلعب بكين دورًا ضاغطًا، لا حبًا في باكستان، بل دفاعًا عن مصالحها.
الخليج بين ملايين الباكستانيين والهنود.. نار تحت الرماد
ملايين الباكستانيين والهنود في الخليج قد يتحولون إلى قنابل موقوتة إذا ما انفجر الصراع فعليًا، ما يستدعي من الحكومات الخليجية موقفًا حازمًا، يوازن بين حماية مصالحها ومواقفها الأخلاقية تجاه الحليف الإسلامي الطبيعي: باكستان.
إلى متى الصمت؟
لم يعد الصمت مجاملة، بل خيانة. لم يعد الحياد حذرًا، بل انحيازًا ضمنيًا للباطل. فإما أن تتخذ الأمة موقفًا جريئًا لدعم من يقف معها في السراء والضراء، أو تقرّ بهوانها وخضوعها للهيمنة الصهيو-أميركية.
إننا نعيش لحظة فاصلة، حيث تُكتب خرائط النفوذ بالدم والنار، ويُختبر ولاء الأمم وقيمها. فإما أن نقف مع الحق، ولو بالكلمة والموقف، أو نُدفن جميعًا في مقابر التاريخ كأمة خانعة لا تستحق البقاء