منبر التشريع أم ساحة للانفعال؟ تأملات في المشهد النيابي الأردني

39 ثانية ago
منبر التشريع أم ساحة للانفعال؟ تأملات في المشهد النيابي الأردني

بقلم: هشام بن ثبيت العمرو

“اقعدي يا هند، اقعد يا ناصر” – كلماتٌ صدرت في لحظات انفعال، لكنها تجاوزت حدود اللحظة لتغدو عنوانًا لحالةٍ أشمل من التراجع في أداء السلطة التشريعية في الأردن. لقد بات المشهد تحت قبة البرلمان يشهد ـ في كثير من الأحيان ـ مظاهر غير مألوفة، تتجاوز الاختلاف السياسي إلى سجالات شخصية، وانفعالات عاطفية، وخرقٍ لآداب الخطاب النيابي الذي يُفترض أن يحتكم إلى العقل والرشد لا إلى الاستعراض والتشنّج.

إن مجلس النواب، وهو أحد الأعمدة الدستورية للنظام السياسي الأردني، يُنتظر منه أن يكون منبرًا للحوار الوطني، ومرآة لنبض الشارع، وقناةً راشدةً لمساءلة السلطة التنفيذية وتقديم الحلول للقضايا الوطنية الملحّة. إلا أن الواقع، وللأسف، يشير إلى اختلالٍ واضح في هذه الوظائف، نتيجة تغليب البعض للخطاب الشعبوي والرغبة في لفت الأنظار على حساب أداء الدور الرقابي والتشريعي.

لقد شهدنا في دورات متتالية، وبخاصة في المجلس النيابي التاسع عشر، مشاهد تنم عن انزلاق بعض النواب نحو محاولات إثبات الذات عبر إثارة الجدل لا عبر تقديم المضمون، والتعامل مع المنبر النيابي كوسيلة لصناعة صورة شخصية أكثر منه ساحة لخدمة الوطن والمواطن. ومما يزيد المشهد قتامة أن هذه الممارسات باتت تتكرّر، في ظل ضعف المأسسة الحزبية، وغياب الخطاب البرامجي، وافتقار العديد من الجلسات إلى الطرح العميق والنقاش المنهجي.

إن استمرار هذا النهج لا يمكن عزله عن الأثر المباشر الذي ينعكس على ثقة المواطن بالمجلس النيابي، وهي ثقة آخذة في التآكل. ويكفي أن نعود إلى الانتخابات النيابية الأخيرة (2020) لنُدرك حجم الأزمة، إذ لم تتجاوز نسبة الاقتراع العامة 29.9%، وهي من أدنى النسب في تاريخ الانتخابات النيابية في المملكة، بل انخفضت في بعض الدوائر إلى ما دون 15%، وهو ما يدل على فجوة حقيقية بين الشارع والمؤسسة التشريعية.

إن هذه المقاطعة الصامتة من المواطنين ليست تعبيرًا عن لا مبالاة، بل احتجاجًا حضاريًا على أداء لم يرقَ لتطلعاتهم، ودليلًا على فقدان الأمل في أن تسهم العملية الانتخابية، بصورتها الحالية، في إحداث تغيير حقيقي.

نحن اليوم أحوج ما نكون إلى مجلس نواب يرتقي بخطابه، ويستعيد احترام الناس من خلال أدائه، ويعيد بناء الثقة التي تآكلت بفعل المواقف الانفعالية والاصطفافات غير المبدئية. على المجلس أن يرسّخ ثقافة الحوار المسؤول، وأن يعلو فوق الحسابات الفردية والشعبويات الضيقة، إن أراد أن يستمر كصوتٍ وطني جامع، لا كمنبرٍ للتراشق والتجاذب.

فإن لم تتغير هذه المعادلة، فالمستقبل قد يحمل مزيدًا من العزوف الشعبي، ومزيدًا من الفراغ السياسي، وهو ما لا يحتمله وطن يواجه تحديات جسامًا تتطلب أن تكون مؤسساته على قدر المرحلة