رصاصات أخوانية من العاصمة اللندنية

9 ثواني ago
رصاصات أخوانية من العاصمة اللندنية

وطنا اليوم_

 

د. محمد العزة

 

نفّذت الحكومة الأردنية الحكم القضائي الصادر عام 2020 بحق تنظيم الإخوان العالمي، والقاضي بحظر نشاطه على الأراضي الأردنية بعد إخفاقه في تصويب أوضاعه القانونية لممثله جماعة الإخوان ، وقد شكل الإعلان الأمني في 15 نيسان 2025 عن خلية إرهابية مرتبطة بالتنظيم (الخلية 16) دافعًا قويًا لتفعيل القرار وحسمه، في إشارة واضحة على جديّة الدولة بعدم التراجع و العودة عنه .

وكما هو متوقع، ومن الطبيعي أن تشتعل جبهة من الجدال و السجال السياسي داخل المجتمع الأردني، انقسمت الآراء بين مؤيد لحظر التنظيم ومستنكر للجريمة الإرهابية، وبين مدافع عن الجماعة اما انسجامًا مع خلفياته الفكرية أو تبعيته التنظيمية، أو بدافع مصلحة شخصية و لم تنزع الدولة من أي طرف رقمه الوطني أو جنسيته الأردنية، لكنه شرف الخصومة وأدبيات اللغة وسمو الأخلاق تبقى معيار الرد، وهذا ما نسعى إليه في هذا المقال.

لقد ظهرت في الآونة الأخيرة أساليب مألوفة باتت مكشوفة في اغتيال الشخصيات الاعتبارية ، أساليب لا يلجأ إليها إلا من تشبع بذهنية القاتل المأجور، و بعض الأقلام المدفوعة داخل و خارج الوطن الاردني ، آخر هذه المحاولات كانت من شاب يافع أردني مغترب، ظهر في فيديو مصوّر من إحدى عواصم الضباب الغربية، داخل غرفة مكيفة نظيفة ، متقمصًا دور المحلل السياسي، مرتديًا هيئة أنيقة ، مشذب اللحية، شديد الحماسة، بكامل قواه العقلية و فحولته السياسية، مترصدا ببندقية لسانه ليصوّب رصاصه مستهدفا شخصية أكاديمية بمستوى و وزن د حسن البراري العجارمة استاذ العلوم السياسية و العلاقات الديبلوماسية الدولية ، محاولًا اغتيال سمعته وفكره ، في ذات المدينة ،محاولا محاكاة ذات التكتيك لقاتل ناجي العلي حين أطلق عليه رصاصات الغدر من الخلف ، لتصيب رأسه ليسكت قلم رصاص ناجي الراسم المتكلم، و لم يصب فكره او مبادئه التي عاشت اطول من ذلك القاتل .

ولنقل له الآتي:

-صحيح أنك اشجع من ذالك القاتل حيت تجرأت على الظهور، وهو ما لم يفعله قاتل ناجي العلي حين أطلق رصاصه من الخلف و لأنه أجبن من مواجهته وكشف هويته ، لكنك فشلت كما فشل هو: فقد مات ناجي جسدًا وبقي فكره، وأنت عجزت عن إسكات صوت البراري أو النيل من قيمته العلمية والفكرية.

-فشلك ناتج عن استعارتك ذات الأساليب التي طالما استخدمها التنظيم ضد مخالفيه: شيطنة الخصم، واتهامه بالصهينة، وتقمص دور الضحية، وادعاء المظلومية و إقحام كثير من المعلومات الغير دقيقة مع قليل من الحقيقة داخل الراوية، وتوظيف مقاطع فيديو مجتزأة معالجة تخدم الغرض لا الحقيقة ، إنها أدوات تضليل بات الأردني يعرفها و يميز من يمتهنها من تنظيمات الابتزاز السياسي المرتزقة ، المشهورة بالصاق تهم الخيانة و السلوكيات غير الأخلاقية و قصص التخابر المدبلجة بكل سهولة ، و يعلم ناطقها و مطلقها بأن قياداته هم أكثر علما و خبرة فيها .

-حسن البراري كتب مقالاته حول سلوك تنظيم الاخوان المحظور السياسي في سنواته الأخيرة محللًا و ليس محرّضًا ناقدًا ليس خصمًا ، انتقد أداء التنظيم، و وجه له النصيحة، لكنه خالفهم و انحاز إلى مصلحة الوطن لأنه فوق اي انتماء ، وطن عمره تجاوز المئوية الاولى نحو الثانية اكبر من عمر اي شخصية أو تنظيم ، وهو الذي وقف معهم ذات يوم ، حين اعتقد أنهم حريصون على الدولة، لكنه فارقهم عندما بات أمن الوطن مهددًا منهم و المصلحة الوطنية هي الأولى و العليا .

ليس غريبا سلوك اتباع ذلك التنظيم في فحش و فسق الخصومة ، حتى ابا فرحان ليث شبيلات حين خالف رأيهم لم يوفروا جهدهم تجاهه بل صبوا جام غضبهم عليه في السر و العلن ، وهناك نماذج كثيرة لم يكشف عنها .

-الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها التقطها ، ما قدمته من محتوى داخل دولة غربية بيئتها الديمقراطية متقدمة لا يعكس نضجًا سياسيًا، و بما انها تعتبر إحدى مرجعيات المدارس السياسية، انصح ان أردت الاستفادة فعلًا ، وانت على مقاعد الدراسة ، لزرت مجلس عمومها لتتعلم رمزية الوقف أثناء جلساته احتراما لرأي المتكلم و حرية التعبير و أدبيات النقد، و ليس لأجل الشخص .

-تكرارك لنمطية التهم وعبارات الهمز والمز يشي بأنك تنهل من نفس الوعاء الذي غذّى عقلية التنظيم: الطاعة العمياء، والتهديد بتهم الشرف والخيانة، لكل من تجاوز أحدهم الخطوط الحمراء، ومن يتجاوزها لائحة الاتهام الموبوءة جاهزة رصاصات في مسدس الاستهداف ، مخالفة للقيم الأخلاقية الإنسانية و للثقافة العربية و الدينية و الاعراف العشائرية المجتمعية الأردنية.

-لغايات الاستفادة ، تاريخيا لقد اعتمد الكيان الصهيوني على اختراق بنية المجتمع العربي عبر أدوات و دراسات بحثية وثقافية قام على إثرها انشاء بنك اهداف و معلومات قبل حروبه في 48، 67 ، 82 ، لأنه راهن على جهلنا، لا على تفوقه ونحن في الأردن، فعلناها يوم الكرامة، كسرنا هذا الرهان .

اليوم، ما أحوجنا إلى أكثر من “براري” واحد، بل نريده فريقًا وطنيًا متخصصًا يفكك شيفرة شؤون العدو الإسرائيلي و يحللها ويفهم لغته و يستشرف مخططاته، لا أن نصفي بعضنا بعضًا بحملات التشويه.

ختامًا ، هذا المقال لا يكتب دفاعاً عن حسن البراري لشخصه، ولا لقربه من السلطة أن وجد ذلك ، طمعا في منفعة منه ، و لا شهرة من وراءه و هو المواطن الأردني و الاستاذ الاكاديمي الجامعي ، بل دفاعًا عن وطن و ثوابت وطنية تجسدت في شخصه و في كل من يسير على نهجه و بوصلته الاردن ، لن نكرر صمتنا كما حدث مع ناهض حتر، حيث لن ننسى كيف سخر التنظيم آلته الإعلامية و أقلامهم نحوه ، ليغتاله فكر الغلو و الجهالة باسم الدين على عتبة ادراج العدالة في حادثة صدمت الأردنيين كانت رسالة و محاولة تهديد واضحة لكتم اي اصوات ماعدا تلك التي تغرد مع سرب الجماعة .

إلى ذلك الشاب، نقول:

“لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، حتى يُراق على جوانبه الدم”.

لكن هذا الدم ارجوان وجب أن يُسكب على مذبح الفداءً و التضحية للوطن، للدفاع عن الثرى الاردني و الفلسطيني و العربي ، لا في مغامرات الهواة الذين ابتدعوا بدع الضلالة و التفرقة على أسس الهويات الفرعية السياسية و الدينية و المناطقية القبلية و أوهام البطولة الزائفة، و بث التفرقة و الزعزعة ، في حين هناك من يتربص بوحدتنا، وينتظر هذه اللحظة عدو صهيوني يميني متطرف ، هيهات أن ينالها.

هنا في الأردن، وعي شعبنا صار أشد، و يقظتنا من تكرار الماضي ، و حرصنا على الحاضر الحالي افضل، ونحن نعد العدة لمستقبل أقوى، لنحرر العقل العربي قبل تحرير الأرض، و لنا عين على القدس، وأخرى على عمّان.