بقلم: لؤي البشير
في الأول من أيار من كل عام، يحتفل الأردن كما العالم بعيد العمال، مناسبة لتكريم كل يدٍ بَنَت، وكل فكرة أزهرت، وكل جهد أُنجز في صمتٍ وإخلاص. لكنها أيضًا لحظة للتفكير في ما هو أبعد من الاحتفاء التقليدي: كيف نحول هذا اليوم من مجرد تكريم رمزي، إلى نقطة انطلاق نحو اقتصاد أكثر إنتاجية، وشباب أكثر تمكينًا، ومجتمعٍ لا يُقيِّد أحلامه بالعوائق القديمة؟
العمال… العمود الفقري للتنمية
لا شك أن العامل الأردني أثبت عبر عقود صلابته، وقدرته على التكيف في وجه التحديات.
لكن التحدي اليوم لم يعد في العمل نفسه، بل في رفع كفاءة العمالة، وزيادة الإنتاجية، وتحسين بيئة العمل، وتوفير التدريب المستمر حتى يبقى العامل الأردني في مقدمة المشهد الإقليمي.
هنا، يجب ألا يُنظر إلى العمالة كرقم في السوق فقط، بل كأصلٍ يجب الاستثمار فيه، من خلال:
•تطوير مهاراتهم بما يتماشى مع الاقتصاد الرقمي والصناعات الحديثة.
•تأمين بيئة عمل عادلة وآمنة.
•توفير شبكات حماية اجتماعية وصحية تُعزز استقرارهم الأسري والمهني.
جيل الشباب… الثورة الريادية المؤجلة
في بلد شاب مثل الأردن، حيث أكثر من 60% من السكان تحت سن الثلاثين، لا يمكن تجاهل القوة الكامنة في الشباب.
لكن كثيرًا ما تُقتل هذه القوة في مهدها بسبب:
•نقص التمويل.
•البيروقراطية.
•غياب الحوافز.
•الخوف من الفشل.
وهنا يكمن أحد الحلول الأكثر جرأة وابتكارًا:
إعفاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يقودها الشباب من الضرائب لمدة محددة (مثلاً 3 إلى 5 سنوات)، بما يمنحهم مساحة آمنة للتجربة والتعلم دون أن تكون الخسارة الفادحة أول ما يواجهونه في بداية الطريق.
هذا الإجراء وحده كفيل بتحفيز مئات الشباب على تحويل أفكارهم إلى مشاريع، وخلق فرص عمل جديدة، وتحريك عجلة الاقتصاد من القاعدة إلى القمة.
من العقبات إلى الحلول… ما المطلوب؟
لكي ننتقل من مرحلة التشخيص إلى مرحلة الفعل، لا بد من خطة متكاملة تشمل:
1.إعادة تصميم برامج التدريب المهني والتقني.
بحيث تتماشى مع احتياجات السوق لا مع المناهج التقليدية.
2.تأسيس صناديق تمويل للمشاريع الريادية.
تكون موجهة للشباب، بشروط ميسّرة، ودون تعقيدات بيروقراطية خانقة.
3.إصلاحات ضريبية محفّزة.
ليس فقط بإعفاءات مؤقتة، بل عبر تقديم تخفيضات ضريبية تصاعدية مرتبطة بخلق فرص العمل وزيادة الإنتاجية.
4.إطلاق حملات وطنية لدعم ريادة الأعمال.
تُبرز قصص النجاح، وتُغير من ثقافة “الوظيفة الثابتة” إلى ثقافة “المشروع المنتج”.
5.بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص.
لضمان تدريب عملي فعّال، وفتح أبواب التوظيف والابتكار أمام الشباب.
القرار الجريء هو كلمة السر
إذا أردنا لعيد العمال أن يكون أكثر من مجرد احتفال، وإذا أردنا لاقتصادنا أن ينجو من حلقة النمو البطيء والبطالة المرتفعة، فنحن بحاجة إلى قرارات جريئة تعيد توزيع الفرص، وتفتح أبواب الريادة، وتجعل من كل فكرة طموحة مشروعًا منتجًا.
العامل الأردني والشاب الأردني لا تنقصه الموهبة ولا الطاقة، بل يحتاج فقط إلى فرصة عادلة، ومجتمع يدفعه للأمام بدل أن يقيّده بالخوف والعقبات.
في عيد العمال… لنكرم الجهد. وفي اليوم التالي، لنطلق الثورة التي ينتظرها هذا الجيل.