بين تحديات الواقع ورؤية التحديث: كيف ينجو الاقتصاد الأردني من نفق الكساد؟

16 ثانية ago
بين تحديات الواقع ورؤية التحديث: كيف ينجو الاقتصاد الأردني من نفق الكساد؟

بقلم: لؤي البشير

في وقت حساس يتسم بتصاعد الضغوط الاقتصادية وتباطؤ النمو العالمي، جاء حرص جلالة الملك عبدالله الثاني، ومتابعته الشخصية لسير تنفيذ البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، ليؤكد أن المرحلة الراهنة تتطلب استنفاراً على كافة المستويات، ورؤية عملية تتجاوز الشعارات إلى أثر ملموس يلمسه المواطن الأردني في حياته اليومية.

الاجتماع الأخير اليوم في قصر الحسينية، الذي حضره كبار المسؤولين المعنيين بالملف الاقتصادي، لم يكن مجرد متابعة روتينية، بل حمل رسائل عميقة: أن البرنامج التنفيذي لا بد أن يكون ديناميكياً، متواصلاً مع القطاع الخاص، ومرتبطاً بأولويات المواطن، لا بتقارير الأداء الرسمية فقط.

الواقع الاقتصادي: فرصة وسط التحدي

لا يخفى على أي مراقب أن الأردن اليوم يقف عند عتبة دقيقة.
نمو اقتصادي محدود لا يتجاوز 2.5% سنوياً، بطالة تتجاوز 22%، خاصة بين الشباب، وقدرة شرائية تتآكل مع ارتفاع الأسعار رغم تراجع معدلات التضخم الرسمية.

في الوقت نفسه، تلوح في الأفق مؤشرات تباطؤ اقتصادي عالمي، وصدمات إقليمية (كما في غزة) قد تنعكس سلباً على البيئة الاستثمارية والسياحية.
في هذا السياق، يخشى الاقتصاديون من أن يؤدي غياب التحفيز الاقتصادي الذكي إلى دخول الأردن في نفق كساد اقتصادي حيث يتراجع النمو، وتضعف الاستثمارات، ويقل الطلب الداخلي، مما يؤدي إلى مزيد من البطالة والانكماش.

كيف نكسر حلقة الركود المحتمل؟

كي لا نجد أنفسنا أمام واقع أكثر قسوة، لا بد من تبني رؤية اقتصادية مرنة وجريئة، تعتمد على عدة محاور مترابطة:

1. تخفيض الأعباء الضريبية المدروسة

الضرائب المرتفعة، خاصة على القطاعات الإنتاجية والخدمية، تضعف من تنافسية الاقتصاد وتقلل من شهية الاستثمار.
تخفيض الضرائب على بعض القطاعات الحيوية مثل السياحة، التكنولوجيا، التصنيع، والخدمات اللوجستية، من شأنه أن يحفز النمو ويوسع القاعدة الضريبية بدلاً من إثقال كاهلها.

تجارب دولية عديدة أثبتت أن خفض الضرائب الذكي على الأنشطة الإنتاجية يؤدي إلى مضاعفة الإيرادات على المدى المتوسط عبر تنشيط الاقتصاد وزيادة حجم الأعمال.

2. تحفيز القطاع الخاص وتعزيز الشراكة معه

لا يمكن للاقتصاد أن ينهض بالاعتماد على الإنفاق الحكومي فقط.
القطاع الخاص هو المحرك الحقيقي للنمو وفرص العمل.
وهنا، من المهم مراجعة البيئة التشريعية والبيروقراطية، وتسهيل إجراءات الترخيص والتسجيل، وتقديم حوافز للاستثمار في المحافظات الأقل نمواً.

كما يجب إطلاق مبادرات للشراكة بين القطاعين العام والخاص في مشاريع البنية التحتية، الطاقة، والتعليم والصحة، بما يخلق فرص عمل ويضخ دماء جديدة في الاقتصاد.

3. تخفيف الأعباء الجمركية وتحديث نظام التخمين

من أبرز شكاوى المستثمرين والمستوردين اليوم هي ارتفاع الرسوم الجمركية وغياب آلية تخمين عادلة وواضحة.
إصلاح نظام الجمارك، عبر تخفيف الرسوم المبالغ فيها، وإقرار نظام تخمين حديث وشفاف، سيؤدي إلى خفض كلفة الإنتاج، وتشجيع المنافسة، وتحسين بيئة الأعمال.

4. دعم الشركات الناشئة بالإعفاءات والتحفيز

الشركات الناشئة هي رافعة اقتصادية مهمة في العصر الحديث.
تقديم إعفاءات ضريبية وجمركية لها لفترة محددة (مثلاً أول 5 سنوات)، بغض النظر عن النشاط الاقتصادي، سيساعد على نموها السريع وزيادة قدرتها على التوظيف.

مثل هذه الإجراءات تشجع الشباب على ريادة الأعمال، وتخلق بيئة حاضنة للابتكار والتكنولوجيا، بما ينعكس إيجاباً على التوظيف والنمو.

5. تعزيز حماية المستهلك ومكافحة الاحتكار

ارتفاع الأسعار في بعض القطاعات يعود إلى ممارسات احتكارية أو إلى ضعف الرقابة.
تعزيز دور مؤسسات حماية المستهلك، وتشديد الرقابة على الأسواق، ومنع تركّز الحصص السوقية بيد عدد محدود من اللاعبين، يضمن وجود بيئة عادلة وتنافسية تحمي المستهلك وتخفض الكلف.

6. الاستثمار في القطاعات الواعدة

السياحة، الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، الزراعة الذكية، والخدمات اللوجستية…
هي قطاعات يمكن أن تقود قاطرة النمو إذا ما توفرت لها الحوافز والدعم المؤسسي المناسب.

إعادة النظر في خريطة الاستثمارات الوطنية والتركيز على هذه القطاعات سيضمن فرص عمل جديدة ويحقق تنوعاً في مصادر الدخل.

الإرادة السياسية موجودة، والفرصة ما زالت قائمة

إن متابعة جلالة الملك عبدالله الثاني الشخصية للملف الاقتصادي تؤكد أن أعلى مستويات الدولة تدرك حجم التحدي وتضعه في أولوياتها.
لكن النجاح لن يكون ممكناً دون تسريع الخطى، وفتح حوار حقيقي مع القطاع الخاص، وتخفيف القيود أمام النمو الاقتصادي.

في لحظة دقيقة كهذه، لا مجال للتردد أو الإصلاح الجزئي.
إما أن نغتنم الفرصة وندخل مرحلة إنعاش اقتصادي مستدام، أو نخاطر بأن نجد أنفسنا في نفق الكساد الطويل والمكلف.

الأردن يمتلك العقول والإمكانات والإرادة.
وما يحتاجه اليوم هو قرارات جريئة، رؤية مرنة، وثقة تُبنى مع المواطن والمستثمر معاً.