الروابدة والسردية الأردنية .. ايقاظ الذاكرة الوطنية

30 ثانية ago
الروابدة والسردية الأردنية .. ايقاظ الذاكرة الوطنية

الدكتور هاني العدوان

في صميم كياننا الأردني، تتجذر حكاية أمة، سردية عصية على الانمحاء، ضاربة في أعماق التاريخ كثبات الجبال، وحية بنبض شعب أبي، لكن صدى هذه الحكاية يكاد ينحسر في فضائنا الإعلامي الوطني، وتفاصيلها الثرية ودلالاتها العميقة حبيسة الإهمال، ليخلق هذا الصمت فراغا خطيرا في فهمنا لذاتنا، ويفتح ثغرات واسعة أمام عبث المشوهين
إن تغييب سرديتنا الوطنية من واجهة إعلامنا لهو قصور فادح، يعيق إدراكنا العميق لجذور هويتنا ودورنا المحوري إقليميا ودوليا، حتى ليخيل للمرء أن استجلاء تفاصيلها بات محظورا، هذا ما نبه إليه بصدق وإلحاح قامة الوطن دولة الدكتور عبدالرؤوف الروابدة أبو عصام، في حوارية منتدى الحموري، ليقرع جرس الإنذار لكسر هذا الصمت المدوي، والانطلاق بصوت جهوري يليق بعظمة الأردن وتاريخه كما رواه أبو عصام بثقافته الواسعة، وفكره النير، وجرأته المعهودة، وصدق نواياه الوطنية
فالسردية الأردنية ليست مجرد أحداث تاريخية متفرقة، بل هي نسيج حي من قيم راسخة، ومبادئ سامية، وتضحيات جسيمة، هي التي صاغت هويتنا الفريدة ووجهت مسيرتنا، إنها قصة نشأة دولة عصرية، شامخة السيادة والاستقلال، وحكاية شعب أثبت صلابته وعزيمته، وسيرة قيادة حكيمة استطاعت ببعد نظرها حماية استقرار الوطن وازدهاره في قلب صراعات إقليمية ودولية عاصفة
هذه السردية تحتضن محطات فارقة، تبدأ من عمقنا الديموغرافي وتاريخنا الممتد إلى فجر الحضارة الإنسانية، مرورا بالأنباط والحضارات المتعاقبة وشواهدها الأثرية الصامتة الناطقة، وبالبصمات الإسلامية الخالدة ومواقع الغزوات والمعارك الشاهدة على عراقة هذه الأرض، ووصولا إلى أضرحة ومقامات الأنبياء والصحابة الكرام التي تعد برهانا ساطعا على أصالة هذا البلد، وتمتد السردية لتشمل الثورة العربية الكبرى، وتأسيس الدولة الأردنية على أسس قومية عربية أصيلة، حتى أن جيشها حمل اسم الجيش العربي، وتولى رئاسة وزرائها ووزاراتها في بداياتها قادة من أقطار عربية شتى، تأكيدا للهوية العروبية النشأة التي ما زال الأردن يعتز بها ويدافع عن قضايا الأمة جمعاء، ويظل الموئل الذي احتضن الجميع والنبراس الذي لم يخفت في النضال من أجل فلسطين، ويستمر بدوره الإنساني والإقليمي المشهود، وكما أشار أبو عصام، فإن الهوية الأردنية تبلورت عبر التاريخ نتيجة تفاعل عوامل جغرافية واجتماعية وسياسية، وأن الأردنيين متوحدون بهويتهم الوطنية
فلماذا هذا الغياب الإعلامي القوي، وما الدواعي التي تحول دون الخوض في تفاصيل هذه السردية الثرية، وما الذي نخشاه أو نخجل منه حتى نغيب كنوز هذه الحكاية العظيمة، وهل هناك قضايا وتحديات نراها أكثر إلحاحا فتقدم على بناء وعي تاريخي راسخ
إن لهذا الغياب ثمنا باهظا، فبدون سردية وطنية حاضرة وقوية في الوجدان العام، يصبح اختراق هذا الوعي وتشكيله من الخارج أمرا يسيرا، ويغدو تعزيز الشعور بالانتماء والوحدة الوطنية بين الأجيال الشابة تحديا أكبر، ويصعب شرح مواقف الأردن وسياساته للعالم وفهم الأسس المتينة التي تنطلق منها
إن إبراز السردية الأردنية ليس ترفا، بل هو ضرورة وطنية ملحة، إنه استثمار في مستقبلنا، وتعزيز لقدرتنا على مواجهة التحديات، وحماية لهويتنا من محاولات التشويه، إنه حق أصيل للأجيال القادمة بأن تعرف قصتها كاملة، وأن تفخر بإنجازات أسلافها، وأن تستلهم منها لبناء مستقبلها
لقد آن الأوان لتجاوز هذه المحرمات المزعومة، والانطلاق بعزم في بناء خطاب إعلامي وطني قوي وجزل يعكس حقيقة الأردن ودوره بكل فخر واعتزاز
إن محاضرة الرمز الوطني الروابدة أبي عصام، كانت بمثابة ومضة نور أيقظت فينا الغيرة على تأكيد هوية وطننا وإظهار تجلياتها التاريخية العريقة، ودوره القومي الراسخ في دعم قضايا الأمة العربية، مع التأكيد على ضرورة وعي الأجيال الشابة بهذه السردية الأصيلة
تحية اعتزاز وتقدير لسنديانة الأردن، السياسي الذي يرفض الاعتزال، دولة الدكتور عبدالرؤوف الروابدة، أطال الله في عمره ومتعه بموفور الصحة والعافية