بقلم بسام روبين
يبدو أن بعض المسؤولين في وطننا الغالي قد حولوا المناصب من تكليف ومسؤولية إلى وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية وخدمة من يدور في فلكهم. فتحولت الوظيفة العامة من خدمة للوطن إلى تشريف فارغ، ومن أمانة وطنية إلى فرصة للنهب، ومن منصة للعمل والإصلاح إلى ساحة لتصفية الحسابات وتوزيع الغنائم.
وحين يغيب الردع، ويتحول القانون إلى حبر على ورق، يصبح الكرسي وسيلة لإدارة الصفقات، وطمس الحقائق، وتكريس النفوذ، ويضيع الوطن في زحمة المصالح والمجاملات ويشعر المسؤول وقتها أنه محصن بالشللية، بعيد عن المساءلة، فيطلق الشعارات الجوفاء، ويتفنن في الخطابة، دون أن ينجز شيئاً على أرض الواقع، فكل ما يهمه أن يستمر في التنقل بين المناصب كما تنقل البضائع بين المخازن، فيما تبقى الوعود حبرا على ورق، والإنجاز مجرد أوهام في نشرات الأخبار.
ويبدو أن بعض هؤلاء قد باتوا يعتقدون أن المواطن لا يرى ولا يسمع، وأن غياب العقاب هو بمثابة صك غفران دائم. فيتمادى المسؤول، ويتجاوز التعليمات، ويفصل القرارات على مقاسه ومقاس من حوله. أما أمانة المسؤولية، فقد أصبحت للأسف مجرد مصطلح عفا عليه الزمن.
لقد أصبحنا نشهد حالات فساد تدار في وضح النهار، وقرارات عبثية تصدر من مكاتب لا رقيب فيها ولا حسيب ، والأسوأ من ذلك أن الفاسد لم يعد يكتفي بسرقة المال العام، بل يتباهى بما نهب، وكأن السرقة بطولة، والشرف عار ،
والأخطر من كل ذلك، حين يتحول هذا النموذج من المسؤولين إلى قدوة يحتذى، فيتسرب الفساد من القمة إلى القاعدة، وتترسخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويضيع المال العام كما تضيع الثقة بين المواطن والدولة.
إن الوقاية من هذا الإنحراف تبدأ من بوصلتنا الأخلاقية، ومن عدالة لا تجامل، وقضاء لا يساوم، وإعلام لا يخضع، وإرادة سياسية لا تهتز أمام سطوة النفوذ. فالمسؤول الذي يعلم أن المحاسبة قادمة لا محالة، سيفكر ألف مرة قبل أن يوقع قراراً لا يخدم الصالح العام.
لقد أصبح الخطر الحقيقي لا يكمن في الفاسد وحده، بل في صمت الشرفاء، وفي تواطؤ الحالمين بالمناصب، وفي المنتفعين الذين يحيطون بأولئك المسؤولين كالأقمار الصناعية، يتغذون على فتات الفساد.
وهنا نتساءل: متى نحاسب؟ ومتى نعيد للكرسي هيبته بوصفه أداة لخدمة المواطن، لا منصة للتفاخر بالنفوذ؟
فمن يحب هذا الوطن حقاً، لا يسكت على فساد مسؤول، ولا يبرر لمسيء جرائمه مهما كانت صلة القربى.
فإذا أردنا وطناً سليماً معافى يجب أن لا ننكر ان في الوطن رجالا شرفاء ولكن صمتهم اليوم يفسر تواطئا غدا فالمعادلة واضحة ، ربط المسؤولية بالمحاسبة، وسنرى النتائج على الأرض، لا في الشعارات الكاذبة.