الأردن تحت ضغط الأزمات الاقتصادية: إلى أين نتجه؟

44 ثانية ago
الأردن تحت ضغط الأزمات الاقتصادية: إلى أين نتجه؟
بقلم: لؤي البشير
ما بين مطرقة الضغوط الاقتصادية وسندان الاضطرابات الإقليمية، يقف الأردن اليوم عند مفترق طرق حاسم.
الداخل الأردني يئن تحت وطأة واقع معيشي متعب، حيث تتآكل القدرة الشرائية يوماً بعد يوم، ويتراجع الأمل بفرص عمل حقيقية أمام جيل شاب يحلم بمستقبل أفضل، بينما ترخي الأزمات الخارجية وفي مقدمتها الحرب في غزة بظلال ثقيلة على الأمن والاستقرار الوطني.
المعادلة التي يعيشها المواطن الأردني لم تعد تحتمل التأجيل أو التجميل: ارتفاع الأسعار، تراجع الفرص، اتساع فجوة العدالة الاجتماعية، وغياب الأفق الاقتصادي الواضح.
** اقتصاد تحت الضغط
الأردن لا يعيش أزمة طارئة، بل يواجه أزمة هيكلية عميقة.
رغم تسجيل معدلات نمو معتدلة (بمعدل 2.5% سنوياً خلال العقد الماضي)، إلا أن هذا النمو بقي دون المستوى المطلوب لاستيعاب دخول عشرات آلاف الشباب إلى سوق العمل سنوياً.
اليوم، وصلت معدلات البطالة إلى نحو 22%، بينما تتجاوز 46% بين الشباب  أرقام تثير القلق في بلد يعتمد اقتصاده على الاستهلاك والخدمات بشكل كبير.
وفي موازاة ذلك، تبقى المشاركة الاقتصادية للنساء متواضعة جداً، بما لا يتجاوز 14% من إجمالي القوى العاملة، ما يحرم الاقتصاد الوطني من طاقة بشرية كامنة ضخمة.
ومع كل ذلك، تواصل الأسعار ارتفاعها مقارنةً بالرواتب الثابتة.
فرغم تراجع التضخم الرسمي إلى حدود 2%، إلا أن الكلفة المعيشية الفعلية بالنسبة للعائلات الأردنية باتت تثقل كاهلها بشكل يومي.
لم يعد الحديث فقط عن غلاء كماليات، بل عن صعوبة توفير الضروريات، بما فيها الغذاء، السكن، والتعليم، والرعاية الصحية.
أضف إلى ذلك تحديات الدين العام، الذي بلغ نحو 115% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل هامش المناورة المالية ضيقاً، ويزيد من كلفة خدمة الدين على حساب الإنفاق الاجتماعي والتنموي.
** مأزق الثقة والفرص الضائعة
المشكلة الأكبر اليوم ليست فقط في المؤشرات الاقتصادية الباردة، بل في تآكل الثقة الشعبية بالقدرة على تغيير هذا المسار.
استطلاعات الرأي تكشف عن فجوة واسعة بين الحكومة والمواطنين:
•فقط 13% من الأردنيين راضون عن جهود الحكومة في خلق فرص العمل.
•82% يرون أن الفساد لا يزال مستشرياً رغم حملات المكافحة.
•أكثر من نصف المواطنين يعتبرون الاقتصاد الملف الأكثر إلحاحاً والأولوية الأولى.
هذا التراجع في منسوب الثقة يجعل أي خطط إصلاحية مهما كانت طموحة تواجه تحدي القبول الشعبي، مما يبطئ وتيرة التنفيذ، ويزيد من الشعور الجمعي بالإحباط.
** ماذا بعد؟ أسئلة مشروعة وحلول ممكنة
في ضوء هذا الواقع، يصبح مشروعاً أن نسأل: إلى أين نتجه؟ وكيف يمكن تخفيف وطأة الأزمة على الدولة والمواطن معاً؟
لا توجد حلول سحرية، ولكن هناك مسارات واقعية يمكن البناء عليها:
1.تحفيز القطاعات الإنتاجية:
التوسع في الاستثمار في الزراعة، الصناعة، وتكنولوجيا المعلومات يمكن أن يخلق فرص عمل مستدامة بعيداً عن الاعتماد المفرط على القطاع الخدمي.
2.تعزيز ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة:
بدلاً من الاعتماد الكامل على القطاع العام أو الشركات الكبرى، يجب دعم المبادرات الشبابية والمشاريع الصغيرة عبر تمويل ميسر وتسهيل الإجراءات البيروقراطية.
3.ترشيد الإنفاق وتحسين إدارة الدين العام:
ضبط النفقات الحكومية غير الضرورية، والتفاوض على تخفيض فوائد الدين، سيمنح الخزينة مساحة أفضل لدعم القطاعات الحيوية.
4.مصارحة المواطن ومشاركته في الحل:
عبر حملات توعوية شفافة تشرح طبيعة التحديات والحلول الممكنة، مما يعزز من شعور المواطن بالشراكة لا التهميش.
5.مكافحة الفساد بآليات أكثر صرامة وشفافية:
ليس بالشعارات بل بالأفعال الواضحة والقابلة للقياس، لأن محاربة الفساد تبني ثقة، والثقة هي الوقود الذي يحتاجه أي اقتصاد للخروج من أزماته.
** بين الأمل والعمل
لا شك أن التحديات جسيمة، ولكن تجارب الأمم علمتنا أن الشعوب التي تتمسك بالأمل وتنهض بالفعل قادرة على عبور الأزمات مهما كانت قاسية.
الأردن، بتاريخه السياسي الصلب ومجتمعه الواعي، قادر على تجاوز هذه اللحظة الصعبة، بشرط أن تكون الرؤية واضحة، والعمل مشتركاً، والنية صادقة.
وفي زمن تتقاطع فيه الأزمات الاقتصادية مع أوجاع الإقليم، يصبح الإصلاح الحقيقي والشامل خياراً وجودياً، لا ترفاً سياسياً