حماية الدولة الوطنية الأردنية: ضرورة وجودية أمام تحولات خطرة

55 ثانية ago
حماية الدولة الوطنية الأردنية: ضرورة وجودية أمام تحولات خطرة

بقلم م. فراس الصمادي – كاتب سياسي
ما الذي يجعل حماية الدولة الوطنية الأردنية اليوم ضرورة وجودية في ظل التحولات الإقليمية؟
وكيف يرتبط الأمن الوطني الأردني بالقضية الفلسطينية ومشاريع التهجير؟
وما هي الأولويات الاستراتيجية لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية؟
الربيع العربي وتفكيك الدولة الوطنية
منذ تداعيات ما سُمي بـ”الربيع العربي”، اتضح أن الخطر الحقيقي في منطقتنا لم يكن في السعي نحو الديمقراطية والحرية، بل في تفكيك الدولة الوطنية تحت هذه العناوين، واستغلال المطالب المشروعة لخلق الفوضى والانهيار. الأردن، وسط هذه التحولات العاصفة، بحاجة إلى ترسيخ ركائزه السياسية وحماية مصالحه الوطنية، في مواجهة مشاريع الإرباك والتفكيك، سواء القادمة من الخارج أو المتغذية على هشاشة الداخل. المصلحة الوطنية لم تعد شعارًا يُرفع، بل أصبحت مهمة عملية تتطلب وعيًا سياسيًا ومؤسساتيًا، ومشاركة حقيقية على أرضية تحافظ على هوية الدولة الأردنية واستقرارها. من العراق إلى سورية، تكررت التجربة: مؤسسات تنهار، تنظيمات راديكالية تصعد، وشعوب تُدفع نحو المجهول تحت شعارات مضللة.
دروس الفوضى السورية واستنساخها في الداخل الأردني
في الحالة السورية، أدت فوضى التنظيمات العابرة للحدود إلى كشف زيف الادعاءات الثورية التي نظرت لها نخب البديل الديمقراطي، والتي شكلت غطاءً للفوضى دون فهم حقيقي لمعادلات التغيير ومراحل تطور المجتمعات. تحولت شعارات التغيير والحرية إلى أدوات فوضى موجهة، استُخدمت لتفكيك الدولة وتسليمها لتنظيمات متطرفة تتحرك بأجندات خارجية. الأخطر أن هذه الشعارات تُستهلك اليوم داخل المجتمع الأردني، سواء عبر جمهور يتأثر بالعاطفة الدينية أو عبر نخب تقدم هذا النموذج كبديل إصلاحي، رغم أنه، في جوهره، يُقوّض أسس الدولة الوطنية. هذا التداخل بين الخطاب الراديكالي المتطرف والديمقراطي المشوّه يمثل تهديدًا صامتًا؛ فكل قبول محلي ولو محدود لهذا النهج، يمثل شرخًا في جدار الدولة الوطنية.
القضية الفلسطينية كقضية أمن وطني أردني
تتزامن هذه التحولات مع مشهد فلسطيني مأساوي، حيث يخوض الشعب الفلسطيني معركة وجود في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسط حرب إبادة ممنهجة، وتواطؤ دولي، وعجز عربي شامل. هذه الجرائم تركت أثرًا بالغًا في الوعي الأردني؛ إذ لم تعد القضية الفلسطينية مجرد بُعد قومي أو إنساني، بل باتت قضية أمن وطني ترتبط عضويًا باستقرار الأردن ومصيره المباشر. أمام ما يُرسم للقضية الفلسطينية من سيناريوهات تصفية وتهجير، فإن الأردن – دولةً وشعبًا – في قلب التهديد. فأي محاولة لتصفية القضية أو فرض واقع تهجيري جديد لن تكون مجرد كارثة على الفلسطينيين، بل تهديدًا استراتيجيًا للأردن، يطال هويته السياسية وتركيبته السكانية.
حماية الدولة الوطنية أمام مشاريع التهجير والاختراق
ضمن هذا الإطار، تتقدم حماية الدولة الوطنية الأردنية إلى صدارة الأولويات، بوصفها الحصن الأول في مواجهة محاولات الاختراق الممنهج لأمنه الوطني واستقراره. محاولات لا يمكن فهمها إلا كامتداد مباشر لخدمة المشاريع والخطط الإسرائيلية، الساعية لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والديموغرافية في المنطقة. فالأردن المستقر والآمن، هو الجدار الأخير الصامد أمام مخططات التهجير والهندسة القسرية للواقع الإقليمي. من هنا، فإن الموقف الأردني المطلوب لم يعد مجرد دعمٍ للشعب الفلسطيني، بل بات دفاعًا مباشرًا عن الذات الوطنية. إذ لم يعد مجديًا الاكتفاء بالحديث عن رفض أي تسوية تمس حقوق الفلسطينيين، أو تحميل الأردن أثمانًا سياسية أو ديمغرافية مرفوضة شعبيًا؛ بل تفرض التحديات الراهنة صياغة استراتيجية هجومية تتجاوز الشعارات التقليدية، وتستهدف نزع الشرعية الدولية عن الاحتلال الإسرائيلي. ويجب أن تتم ملاحقة الاحتلال قانونيًا، استنادًا إلى سجله الأسود في خرق القرارات الدولية — من قرار حق العودة، إلى قرار التقسيم، إلى شروط عضويته في هيئة الأمم المتحدة، إلى ارتكابه جرائم الإبادة الجماعية — بما يجعل من هذه المواجهة محور التحرك، معتمدةً على قوة الأردن الدبلوماسية واستراتيجية موقعه الجيوسياسي. استقرار الأردن، وتمسكه بهويته السياسية، يُعد عامل توازن إقليمي يجب أن يدرك الأردنيون والعرب أهميته قبل فوات الأوان. لم تعد المؤامرات تُحاك في العلن فقط، بل تُمرر عبر استغلال الثغرات والضغوط، مما يتطلب موقفًا عربيًا أكثر وعيًا بدور الأردن، ودعمًا مباشرًا للدولة الأردنية في معركتها الوجودية.
التحديات الاقتصادية وتجديد العقد الوطني
بالتوازي مع ذلك، يعاني الأردن من أزمات اقتصادية خانقة، تتجلى في تصاعد معدلات البطالة، واتساع رقعة الفقر، وارتفاع كلفة المعيشة، وزيادة المديونية، إلى جانب تفاقم فجوة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. وقد كشفت مشاريع التحديث السياسي والاقتصادي عن محدودية فاعليتها في مواجهة هذه التحديات، وهو ما برز جليًا بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، بالتزامن مع التغيرات الاقتصادية العالمية وانحسار الدعم الإقليمي والدولي. لذلك، تفرض المرحلة القادمة العمل على مراجعة هذه المشاريع من خلال لجنة ملكية جديدة، تكون مهمتها المراجعة الجادة، وتصحيح المسار، وإطلاق شراكة وطنية حقيقية بين الدولة والمجتمع. ويتطلب نجاح هذه المراجعة إنتاج نخب سياسية جديدة تتحمّل هذه المسؤولية، تمتلك فهمًا عميقًا للمتغيرات الدولية والإقليمية، ورؤية وطنية قادرة على قيادة المؤسسات بكفاءة وثقة في هذه المرحلة الحساسة، دون تأخير أو تردد.
بناء المناعة الوطنية: مشاركة، سيادة، واستقرار
المناعة الوطنية اليوم لا تُبنى عبر خطابات رسمية أو عاطفية، بل من خلال سياسات قائمة على المشاركة السياسية المسؤولة، واستعادة المصلحة الوطنية كعنوان للعمل العام، وحماية ثوابت الدولة، وصون استقرارها من العبث أو المُغامَرة، وتعزيز حضور مؤسساتها، وإعادة بناء العلاقة مع المواطن على أساس الاحترام والتمثيل الحقيقي. الأردن ليس جزيرة معزولة، لكنه أيضًا ليس ساحة مفتوحة أو مجرد جغرافيا للحشد والرباط، بل فكرة وطنية متجذرة تستحق أن تُحمى بكل إخلاص وانتماء. فالمستقبل يبدأ من قرارنا اليوم بحماية وحدة وطننا وصلابته. المطلوب أن تتحمّل الدولة ونخبها مسؤوليتها التاريخية، لا بالشعارات، بل بالأفعال الحقيقية التي تحفظ الأردن وتعزز وحدته وتصون استقراره.