بقلم جهاد مساعده
ليس من قبيل المصادفة أن تختار الدولة الأردنية الحسم في هذا التوقيت. فالدولة التي صبرت كثيرًا، وغضّت الطرف طويلًا، وفتحت أبوابها للحوار والمشاركة، لم تكن غافلة عن حجم العبث الذي كان يتسلل إلى بنيتها من تحت الطاولة. لكنها – كعادتها – آثرت القانون على العجلة، والعدالة على الانفعال، والدولة على الفوضى.
اليوم، تقول الدولة كلمتها بوضوح لا يقبل التأويل سيادة القانون أولًا ولا عبث بعد اليوم.
فلم تكن قرارات الحظر والحسم استعراضًا للقوة، بل استعادة لهيبة الدولة، وتأكيدًا أن المشروع الوطني ليس ساحة مفتوحة للتكتيك التنظيمي، ولا حقلًا خلفيًا للتغلغل الأيديولوجي، ولا ورقة تفاوضية في يد جماعة ترى في نفسها دولة داخل الدولة.
إن الدولة الأردنية – حين تمارس قوتها – لا تفعل ذلك إلا ضمن ضوابط القانون، لا ثأرًا، ولا تصفية، ولا انتقامًا، بل وفاء لعقدها مع مواطنيها، والتزامًا بمسؤوليتها في حماية مؤسساتها من التآكل الصامت، أو الاختراق المغلف بالعمل الخيري.
لقد تسامحت الدولة طويلًا، لكنها لم تتساهل في المبادئ. راقبت، وحاورت، وأمهلت، لكنها لم تُهمِل. وحين بات الصمت تهديدًا، والنوايا المبطّنة خطرًا، كان لا بد من قرارٍ يستعيد التوازن، ويعيد رسم الخط الأحمر أن الوطن ليس ساحة عبث.
نعم، الحريات مصونة، والتعدد محترم، والديمقراطية نهج لا استثناء. لكن ذلك كله لا يكون على حساب القانون، ولا تحت مظلة كيانات خارجة على الحكم القضائي، أو تسعى لاستنساخ وجودها رغم أنف الدولة ومؤسساتها.
ما جرى ليس معركة بين الدولة وفئة، بل لحظة وعي وطني بأن لا أحد فوق الدولة، ولا كيان محصن من القانون، ولا انتماء يتقدّم على الانتماء للأردن أولًا وأخيرًا.
ولمن يظنون أن الحزم نقيض الاستقرار، أو أن الحسم يضعف صورة الدولة، نقول: إن الدول تُقاس بقدرتها على الحسم حين تقتضي اللحظة، وعلى الصبر حين يطول الانتظار. والأردن لم يكن يومًا دولة مرتعشة أمام المجهول، ولا هشّة أمام الضغوط.
نعم، الدولة الأردنية تضرب بيدٍ من حديد، لكنها لا تضرب عبثًا، بل تحمي مشروعها الوطني من العبث
لا أحد فوق الدولة
