مهدي الشوابكة
ما جرى في الأردن خلال الأسابيع الأخيرة لم يكن مجرد حدث أمني عابر، بل زلزال سياسي وأمني عميق كشف المستور، وأعاد إلى السطح حقائق طالما حاول البعض طمسها أو تجاهلها خلية إرهابية تُضبط متلبسة بتصنيع صواريخ ومسيّرات وأسلحة داخل حدود المملكة، في مشهد يعكس حجم الخطر الذي يتربص بالأردن من الداخل لا من الخارج فقط وتأتي الاعترافات لتُثبت بما لا يدع مجالاً للشك بانتماء المتورطين لجماعة الإخوان المسلمين، ثم تأتي المفاجأة الكبرى بانضمام بعض من أعضاء الخلية لحزب سياسي مُرخص هو جبهة العمل الإسلامي، الذي طالما تغنى بإحترام القانون والعمل تحت سقف الدولة، ليتبين أن الشعارات لم تكن سوى قناع يخفي نوايا تخريبية تهدد بنية الدولة من الداخل.
هذه ليست المرة الأولى التي تنكشف فيها جماعة الإخوان على حقيقتها، لكنها من اللحظات النادرة التي تكون فيها الأدلة بهذا الوضوح، والربط بين الجماعة وأذرعها الحزبية بهذه الصراحة فبدل أن يتواروا أو يعتذروا أو على الأقل يصمتوا، خرجوا ببيانات مخزية لا تحمل سوى التنصل من المسؤولية، والتبرير الأجوف، بل والتحريض المكشوف، وكأن الدولة التي منحتهم حق العمل السياسي لعقود هي العدو، لا الوطن هم ينسون – أو يتناسون – أن الأردن، في الوقت الذي كانت فيه الجماعة محظورة في معظم دول العالم، كان الأردن يحتضنهم ويوفر لهم مساحات المشاركة لا التآمر.
الرد الأردني الرسمي كان وطنيًا حازمًا ومتوازنًا ، البرلمان منح القيادة الأمنية والسياسية دعمه الكامل، والموقف الشعبي كان أكثر حدة في رفضه لهذا الانحراف الخطير عن خط الوطنية. أما الحزب فجاء رده بتجميد عضوية ثلاثة من المتهمين، وهي محاولة بائسة للنجاة من المساءلة لا أكثر. فالقضية لم تعد قضية أفراد، بل قضية فكر وتنظيم وأجندة، وارتباط أيديولوجي وتنظيمي بجماعة محظورة قضائيًا، تستثمر في كل توتر، وتستغل كل ظرف، لبث السموم والتحريض على الدولة.
ولم يكن غريبًا أن تدخل حركة حماس على الخط، مطالبة بالإفراج عن المتهمين، وكأن الأردن ساحة عبور للفوضى لا دولة ذات سيادة وقانون. وكان الرد الأردني هو الأقوى: أصدرت الحكومة بيانًا رسميًا عبر الناطق باسمها، أكدت فيه أن “الأردن أكبر من الرد على الفصائل الفلسطينية”، عبارة قصيرة، لكنها تختصر موقفًا كاملاً ، هذا البلد ليس ساحة لتصفية الحسابات، ولا منصة لحسابات إقليمية، بل دولة تعرف ما تفعل، وتمارس سيادتها بلا مزايدة.
واليوم بخطوة حاسمة، جسّد وزير الداخلية مازن الفراية رصانة الدولة وقوة خطابها في واحدة من أكثر اللحظات حساسية، إذ أعلن رسميًا حظر جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم غير قانوني، استنادًا إلى الأدلة الدامغة التي كشفت ارتباطها بنشاطات إرهابية تهدد الأمن القومي القرار، الذي جاء بعد مراجعة قانونية وأمنية شاملة، يشمل منع أي نشاطات تنظيمية أو تمويلية مرتبطة بالجماعة، مع التأكيد على أن الحظر يستهدف الأجندات التخريبية وليس الأفراد الحكومة شددت على أن هذا الإجراء يعكس التزام الأردن بحماية سيادته واستقراره.
الآن، الجماعة محاصَرة، والحزب في الزاوية أخلاقيًا وشعبيًا وقانونيًا والأنظار تتجه إلى محكمة أمن الدولة، حيث يُنتظر أن يصدر حكم القضاء بحق المتهمين، وهو حكم لا يمثل نهاية المطاف، بل قد يكون بداية لمعركة قانونية وسياسية أوسع، قد تُفضي إلى تحريك دعوى رسمية لحل الحزب، إذا ثبت أن نشاطاته ترتبط بتنظيم غير مشروع يهدد أمن الدولة ،المستقبل أمام مفترق طرق واضح لا لبس فيه: إما اتخاذ قرار حاسم يضع حدًا لهذه الازدواجية السياسية التي استغلتها الجماعة لعقود، ويعيد رسم الحدود الواضحة بين العمل السياسي المشروع والعمل التنظيمي التخريبي الذي يحمل الفكر والشكل الميليشي، أو تساهل يفتح الباب لمحاولات تغلغل جديدة، قد تكون أشد فتكًا وخطورة. وفي كل الأحوال، يثبت الشعب الأردني مرة أخرى، أنه السند الحقيقي للدولة، الواعي لحجم التحديات، والمتمسك بهويته الوطنية،المعركة مع جماعة الإخوان لم تعد مجرد خلاف سياسي، بل أصبحت معركة وجود وسيادة وهوية وطنية راسخة، لا مجال فيها للمهادنة أو التردد…بألسنتهم الكاذبة ومخططاتهم الماكرة، يظنون أن بإمكانهم النيل من الأردن لكن وطننا، برجاله ونسائه، شبابه وشيوخه، يقف كالبنيان المرصوص في وجه كل خائن ، الأردن أقوى من أن ينحني لأعدائه سيبقى الأردن عصياً على كل من يحاول المساس بأمنه الداخلي وكما قال سيد البلاد “وعهدي لكم أن يبقى الأردن حرّاً عزيزاً كريماً آمناً مطمئنا”.