ثقة متجددة بدائرة المخابرات العامة وتطلعات لسياسة رسميّة أكثر تأثيرًا

10 ثواني ago
ثقة متجددة بدائرة المخابرات العامة وتطلعات لسياسة رسميّة أكثر تأثيرًا

كان التوقيت الذي أعلنت فيه دائرة المخابرات العامة إحباط مخطط إرهابي بالغ الحساسية وخطير؛ لأنه كان يستهدف مواقع حيوية داخل المملكة، باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ قصيرة المدى مُصنّعة محليًا .
وتعد عملية الاحباط من أكثر العمليات الأمنية تعقيدًا في السنوات الأخيرة علاوة على أنها
جاءت في وقت تمر فيه المنطقة بتقلبات جيوسياسية وأمنية متسارعة، ما يجعل هذا الإنجاز الأمني ليس فقط حدثًا داخليًا، وإنما رسالة استراتيجية تؤكد أن الأردن ما زال قادرٌ على حماية أمنه وصون حدوده في وجه محاولات العبث والتخريب .

تفاعل الأردنيين هذه المرة تميّز بسرعة الاستجابة الشعبية، حيث عجّت وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات الشكر والثناء والتضامن، وارتفعت أصوات المواطنين تمجيدًا برجال المخابرات العامة فرسان الحق الذين عملوا بصمت لإحباط هذا المخطط قبل أن يُصبح خطرًا يهدد الأرواح والممتلكات.

لم يكن التفاعل الشعبي مجرد انفعال لحظي وإنما كشف عن مستوى عالٍ من الوعي الجمعي الذي بات يُميز بين الخطاب والممارسة، ويُقدّر الفعل المؤسسي الحقيقي، ولا يلتفت للشعارات العابرة، وهذا يفسر تزايد ثقة الشارع بالمؤسسات الأمنية، التي أثبتت خلال السنوات الماضية أنها تعمل بمنتهى الحرفيّة بعيدًا عن الضجيج الإعلامي، وعلى رأسها المخابرات العامة محل الثقة والتقدير.

في المقابل، لم تغب الجهات الرسمية عن الحدث، حيث صدرت بيانات إدانة وتضامن من عدة جهات تحب الوطن وتقلق عليه من أي محاولة للعبث في أمنه واستقراره، ومن بينها مجلس النواب، الذي أكّد على أن حماية أمن الوطن مسؤولية جامعة .

فالمواطن الأردني، الذي يعيش يوميًا تحديات اقتصادية واجتماعية، بات يبحث عن مواقف سياسية واضحة ومتماسكة، تتجاوز التوصيف التقليدي وتلامس جوهر القضايا التي تهمه، وفي ظل هذا الإدراك الشعبي المتقدم، يظهر أن الخطاب والأداء الرسمي بحاجة إلى إعادة تموضع، ليكون أكثر تأثيرًا وصدقًا وارتباطًا بالناس لأن الحادثة الأخيرة تعيد إلى الواجهة أسئلة جوهرية حول شكل العلاقة بين المؤسسات الأمنية والمؤسسات السياسية في الأردن، ومدى قدرة كل منهما على أداء دوره في الحفاظ على السلم المجتمعي.
فبينما تؤدي المخابرات العامة دورًا متقدمًا في الرصد والوقاية والتدخل المبكر، يتطلع المواطن إلى أن تدرك المؤسسات الأخرى، وخاصة التشريعية ، دورها في تعزيز منعة الجبهة الداخلية، ومراقبة أداء الدولة، وتقديم خطاب وأداء يلامس الاحتياجات الحقيقية للمواطنين.

إن التحديات التي يواجهها الأردن اليوم لا تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل تمتد إلى قضايا الفقر، والبطالة، والتعليم، والمشاركة السياسية، وهي ملفات تحتاج إلى تكامل في الأدوار، وتوحيد في الجهود، وخطاب وأداء وعمل يتسم بالقبول لدى جموع الشعب الأردني .

الأردن اليوم ليس في منأى عن الأخطار، لكن تماسك بنيته الأمنية ووعيه الشعبي العميق يجعلان منه حالة فريدة في محيط مضطرب.
وإن ما حدث لا يُعد انتصارًا أمنيًا فقط، وإنما درسًا وطنيًا في أهمية الوقوف خلف المؤسسات، وتعزيز ثقافة الثقة، وتطوير الخطاب العام ليكون على قدر التحديات.

ليُدرك الأردني أن أمنه ليس من مسؤولية الأجهزة فقط، وإنما هو مسؤولية الجميع: مسؤولية المشرّع في إصدار القوانين، والمثقف في توعية المجتمع، والإعلامي في نقل الحقيقة، والمواطن في حماية السلم المجتمعي ، وهكذا يُبنى الوطن الذي لا تكسره المؤامرات، ولا تُنطلي عليه الشعارات، بل يقوده وعيه وصلابة مؤسساته.

د. زهور غرايبة