كتب المهندس عبدالحكيم محمود الهندي :
قد تكون تلك جلسة نيابية لها ما لها وعليها ما عليها، لكن لا بد وأن لا ننسى بأن الدولة الأردنية لم تكن سبباً في حالة التجاذب في الشارع الأردني، والتي وصلت في بعض الأوقات إلى حد “الاحتقان”.
وإذا ما ألقينا نظرة واسعة على موقف الدولة الأردنية بدءاً من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، مروراً بجهود الجيش العربي الأردني، وصولاً إلى الشعب الأردني، فإننا نجد أن الأردن كانت الدولة الأكثر وقوفاً مع أهل غزة ومع فلسطين منذ تفجر الحرب العدوانية على القطاع، وتصاعد حالة العنف في الضفة الغربية.
وبالمقابل، فإننا نجد أن تياراً سياسياً واحداً هو الذي حاول أن يخطف الشارع الأردني مستغلاً المشهد لا سيما عن طريق توظيف الدين الإسلامي الحنيف كوسيلة لتوسيع رقعته الشعبية، ومع كل أسف أن ذلك أضر بالمشهد بشكل عام لا سيما في بعض المحطات التي وقف فيها المواطن الأردني في وجه أخيه رجل الأمن في الشارع، ومع كل ذلك فقد كان “بال” الدولة طويلاً، وكان صبرها كما صبر أيوب لا سيما مع تحريك ذاك التيار لقواعده وحواضنه ليخلط الحابل بالنابل، فعملت – أي الدولة – بكل الوسائل على عدم التصادم مع الناس في الشارع، بل وكانت دائماً تعمل على احتواء الغضب الشعبي مدركة بأن هذا يأتي أساساً من حالة غضب وقهر سكنت في قلوب وعقول الناس جراء المشاهد الدامية التي يرونها يومياً في القطاع، فيما تسيطر على العالم، حالة من الانسداد السياسي نحو أي حل ممكن، وحينما تمكن الوسطاء من التوصل إلى وقف أولي للنار، فقد ساد التفاؤل بين أبناء الشعب الأردني، ودخلت إلى قلوبهم السكينة، معتقدين بأننا وصلنا إلى وقف نزيف الدماء، لكن مع كل أسف عادت الحرب في موجة ثانية أشد عنفا وأشد فتكاً بدماء وأجساد الشعب الفلسطيني.
وفي الأثناء، فإن الصوت الأردني لم يسكت، وبقي جلالة الملك ومن خلفه كافة الماكينة الدبلوماسية الأردنية، تعمل بأقصى طاقتها حتى توقف العدوان رغم أن آذان العالم لم تعد تسمع أي نداء، فدولة الاحتلال تمكنت من إقناع أصحاب القرار ودوائر التأثير العالمية، بما تريد من سياسات هدفها تدمير غزة، وتهجير أهلها، متذرعة بأن السلاح في غزة يهدد أمنها بشكل دائم، بل ويهدد بتفجر الأوضاع الأمنية في كافة المنطقة، ولا ننسى بأن تبعات السابع من أكتوبر كانت من المفاجأة بمكان لكل مراقب بدءاً من الحرب على جنوب لبنان وتقطيع أذرع ايران في المنطقة، وصولا إلى سقوط النظام السياسي في سوريا هذا فضلاً عن اليمن، وأما عن الارتدادت الأمنية فحدث ولا حرج، فلم تعد الأوضاع تشي بأي اطمئنان، وهنا لا ننسى ضربة الصواريخ الإيرانية وما قابلها من رد إسرائيلي، وكانت تلك لحظة لا أحد يعلم حقاً كيف لم تتفجر معها المنطقة برمتها!
أردنياً، جاء الكشف عن ما يعرف بـ “خلية الصواريخ” أو المسيرات أو الخلية التخريبية، لتضع الأردن أمام حقيقة مُرّة، فمع كل أسف أن ذات التنظيم الذي حاول وعمل جاهداً على خطف الشارع، كان يقوم في الخفاء بإجراءات تضر، بل وتمس، بالأمن الوطني الأردني وتضعه في مواجهة مباشرة مع دولة الاحتلال ومع حلفائها في العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، هنا أدرك الأردن بأن القضية لم تعد مجرد تعاطف شعبي أو سياسي مع غزة، وإنما باتت أكثر من مجرد “نوايا” على إدخال الأردن في ظرف أمني صعب، بل تخطت إلى حد التنفيذ من قبل “شرذمة” تناست بأن إعلان الحرب والسلم وحمل السلاح هو قرار سيادي فقط للدولة، وبأن مبررات دعم المقاومة لن تنطلي على المواطن الأردني قبل الدولة، فكان لا بد من التعامل مع هذه القضية بشكل عاجل؟ ووقف مخططات هؤلاء التدميرية بحق الأردن، فلا دوافع، ولا أسباب، مهما كانت، يمكن أن تعطي لأي جهة أو تيار أو شخص، الحق في العبث بأمن الأردن، فالأردن قوي صامد منذ أكثر من مائة عام، وأحبط على مدى تلك السنوات، الكثير من المؤامرات التي حيكت ضده، والأردن قوي إن أراد أن يعلن الحرب، وهذا يكون إن درك أو لمس بأن عدواً يتربص به، لكن هذا الحق هو حصريٌ للدولة الأردنية ومؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية السيادية، ومن هنا جاءت جلسة مجلس النواب الأخيرة لتعبر من خلال نواب الشعب الأردني، عن حالة الغضب الشعبي جراء هذا العمل الإجرامي الإرهابي الذي كان سيمس أمن الأردن وأمن المواطن الأردني، وكما قال أحدهم، فلو أن جنود الحق في جهاز المخابرات العامة الأردنية لم يكشفوا هذا المخطط، لكنا الآن نحصي أعداد ضحايانا، وعليه فإننا نشد على كل يد، ونرفع صوتنا مع كل صوت، يؤكد بأن الثوابت الأردنية المقدسة لا يجب المساس بها ولا يسمح الاقتراب منها وعلى رأس هذه الثوابت أن في الأردن ملكاً وجيشاً ومؤسسات أمنية، وشعباً وأرضاً مصيرهم بيد الدولة الأردنية فقط لا غير.
ما نطمح إليه الآن، وما نهدف إليه، هو أن يبقى الأردن قوياً منيعاً سالماً، فالبيعة الأردنية للملك وولي عهده، قائمة، وأهم قواعدها الثقة بحكمة القيادة والثقة بقوة جيشنا العربي الأردني الباسل، والثقة بأجهزتنا الأمنية بأنها ستفوت الفرصة على كل من يتربص بهذا البلد، فلا نلومنّ نائباً، ولا نلومنّ سياسياً، ولا نلومن مواطناً، يندفع في تعبيره عن حبه للأردن، وعن حرصه عليه، خصوصاً حين اكتشف أن الخيانة جاءت من بين ظهرانينا، ومن قِبَل مدّعي الدين.
انتهى النقاش ووصلت الرسالة