الوطنية بين الرعاع والتسحيج .. بقلم: هشام بن ثبيت العمرو

17 أبريل 2025
الوطنية بين الرعاع والتسحيج .. بقلم: هشام بن ثبيت العمرو

بقلم: هشام بن ثبيت العمرو

في ظل ما تمر به المنطقة من أزمات متلاحقة، ومحاولات حثيثة للنيل من استقرار الأردن وأمنه، يتجلى صوت الأردنيين عالياً، دفاعاً عن وطنهم، ووفاءً لأرضهم، وتمسكاً بثوابتهم الوطنية الراسخة. ومع كل موقف وطني يظهر للعلن، ينبري البعض – بقصد أو بغير قصد – لتوصيف هذا الموقف النبيل بمصطلحات مشوهة كـ”التسحيج”، في حين يذهب آخرون لوصف أصحابه بـ”الرعاع”، وكأن الدفاع عن الوطن أصبح تهمة، والولاء ضعفاً، والانتماء تبعية.

إن مثل هذه الأوصاف المجحفة لا تليق بشعب عُرف عنه عبر العقود أنه حامي الحمى وصمام أمان وطنه، وأنه لا يتوانى عن الوقوف صفاً واحداً عندما يستشعر الخطر يقترب من حدود وطنه. الأردنيون لا يتحركون بدافع الخوف، ولا يرفعون أصواتهم طمعاً بمصلحة، بل يدفعهم إلى ذلك إحساس فطري بالولاء والانتماء، متجذر فيهم منذ النشأة، ومغروس في وجدانهم قبل أن يخطه أي شعار.

وما يزيد الصورة تشويهاً، هو ظهور بعض الأقلام المأجورة التي تتخفى خلف قناع “العقلانية” و”التريث”، بينما تمارس، في واقع الأمر، دوراً تخريبياً لا يقل خطورة عما تحاربه. تلك الأقلام التي لا تُسمع إلا عند مهاجمة المواقف الشعبية، ولا تتحرك إلا عندما يريد الشارع أن يقول كلمته. تتظاهر بالحكمة وهي في حقيقتها إما منصاعة لأجندات، أو أسيرة لرغبة دائمة في التقليل من وعي الناس وتصويرهم كجماهير مندفعة لا تعي ما تقول.

ومن يظن أن بإمكانه النيل من الوطنيين، أو التقليل من شأن الغيورين على هذا الوطن، بوصفهم بـ”الرعاع” و”السحيجة”، فهو واهم. فلن يبلغ شسع نعل أولئك الذين اختاروا الاصطفاف مع وطنهم، ولن يدرك مأربه مهما تطاول أو تذاكى، وسيبقى ذليلاً، محتقراً، لا يرى نفسه – إن رأى – سوى حشرة أمام الطود الأردني الشامخ، الذي لا تهزه الريح، ولا تُغريه الشعارات الجوفاء.

من يتهم الأردنيين بـ”التسحيج” حين يعبرون عن مواقفهم الوطنية، يتجاهل أن الوطنية ليست صخباً في الفضاء الإلكتروني، وليست شعارات متطرفة، بل هي موقف حرّ في وقت الحاجة، ورؤية متزنة وسط الفوضى. إنها تعبير صادق عن قناعة داخلية، وليست انقياداً بلا وعي.

أما وصفهم بـ”الرعاع”، فهو ليس فقط إساءة لملايين المواطنين، بل انحراف خطير عن قيم الحوار والاختلاف البنّاء. فالشعب الأردني شعب مثقف، واعٍ، تمرّس في مواجهة التحديات، ومرّت به الأزمات فخرج منها أكثر تمسكاً بدولته ومؤسساته، دون أن يُلغي ذلك حقه في النقد، أو رغبته الصادقة في الإصلاح.

إن الوطنية لا تُقاس بحدة نبرة الصوت، ولا تُختزل في كلمات سطحية. هي موقف نبيل، وشعور عميق بالمسؤولية، وتقدير واعٍ لحجم الأخطار التي تحيط بالأوطان. لا يمكن بحال من الأحوال التقليل من شأن شعب هبّ يوماً لحماية وطنه، أو التنكر لصدق انتمائه، تحت ذرائع لا تستند إلا للريبة والتشكيك.

في النهاية، الدفاع عن الوطن ليس ضعفاً، ولا خنوعاً، بل شرف لا يناله إلا من صدق في حبه لوطنه. والولاء للأردن لا يعني إلغاء العقل، بل هو توازن نادر بين الوعي والانتماء. ومن يظن أن الأردنيين يُساقون بلا تفكير، أو يتحركون دون وعي، فهو لم يفهم هذا الشعب الذي لا يُعرف إلا بالكرامة، ولا يتحرك إلا بإرادة الحر