كتب الصحفي ليث الفراية
في مشهد السياسة الأردنية، تطل أسماء كثيرة، بعضها يلمع سريعاً ويغيب، وبعضها يبقى رغم تواضع الأضواء. من بين هؤلاء، تبرز معالي ناديا عبدالرؤوف الروابدة، ابنة العائلة العريقة، ووريثة إرث سياسي وفكري تركه والدها، دولة عبدالرؤوف الروابدة، أول رئيس وزراء من مدينة إربد، والوجه الذي ظل مرتبطاً بالثبات في أوقات التغيير.
ناديا، المرأة التي لم تكن مجرد امتداد لاسم كبير، بل نسجت لنفسها حضوراً مستقلاً يليق بها. فمنذ خطواتها الأولى في مؤسسة الضمان الاجتماعي، كانت تدرك أن عليها أن تبرهن أنّها أكثر من لقب عائلي، فعملت بصمت واجتهدت في صقل قدراتها الإدارية والمهنية، متسلحة بالعلم، وبشغف لا يعرف التوقف.
ولعلّ من أبرز ما شكّل شخصية ناديا الروابدة هو تأثير والدها، دولة عبدالرؤوف الروابدة، الرجل الذي حمل الأردن في قلبه ومسيرته السياسية والإدارية الطويلة. كان والدها رمزاً للثبات في زمن التغير، ومثالاً في النزاهة والانتماء، وشغل مناصب رفيعة كان أبرزها رئاسة الوزراء. تعلمت منه ناديا أن المسؤولية ليست منصبًا بل أمانة، وأن خدمة الوطن لا تحتاج إلى شعارات، بل إلى أفعال نابعة من ضمير حي. كان والدها لها قدوة في العمل العام، تستلهم من تجربته الصبر في وجه التحديات، والصدق في قول الحق، والتفاني في خدمة الناس. لم تركن إلى اسمه لتصنع مجدها، لكنها لم تتنكر لأثره في تكوين وعيها الوطني ومفهومها للقيادة والمصلحة العامة.
من دائرة إلى أخرى داخل أروقة مؤسسة الضمان، تنقلت، وأثبتت في كل موقع أنها قادرة على أن تدير الأمور بعقلانية وانضباط، حتى وصلت إلى منصب مدير عام المؤسسة. وهناك، بدأت بصماتها تظهر بوضوح. فوسعّت نطاق الحماية الاجتماعية، وطورت الأنظمة، وأطلقت مبادرات ساهمت في استرداد حقوق المؤسسة، وأعادت لها حضورها كمؤسسة وطنية ذات طابع اجتماعي-اقتصادي مؤثر.
الروابدة، التي تجمع بين الحزم واللباقة، لم تكن مديرة تقليدية، بل كانت قيادية تؤمن بالحوكمة والعدالة الاجتماعية. في عهدها، لم تكن المؤسسة مجرد جهة لتحصيل الاشتراكات، بل أصبحت جزءًا من نسيج الأمان الاقتصادي الأردني.
وما بين العمل العام والمسؤولية المجتمعية، كانت ناديا حاضرة في أكثر من ملف وطني، فكانت عضواً فاعلاً في لجان تُعنى بقضايا ذوي الإعاقة، والفقر، والأسرة، والمغتربين. لم تُغلق بابًا، ولم تتقوقع في مكتب، بل كانت قريبة من هموم الناس، وتحمل حسًا وطنيًا صادقًا يليق بابنة الصريح، البلدة الشمالية التي أنجبت رجال دولة ونساءً قادرات على التغيير.
عندما تولّت وزارة العمل، كان الظرف الاقتصادي حساسًا، وكان الشارع يئن من قضايا البطالة وتحديات التشغيل. ومع ذلك، دخلت ناديا المشهد الوزاري بثقة، حاملة معها خبرة السنين وعقلية المؤسّسات. وخلال فترة توليها، كانت حاضرة في كل ملف، من تنظيم سوق العمل، إلى تطوير برامج التشغيل، إلى إعادة التوازن بين العامل وصاحب العمل. لم تكن شعاراتها صاخبة، لكن قراراتها كانت محسوبة، واقعية، وتعكس عقل الدولة الذي يسعى للإصلاح التدريجي لا الهدم.
ناديا الروابدة تمثّل ذلك النموذج الأنثوي الذي لا يسعى للضوء لأجل الظهور، بل لأجل الإنجاز. امرأة تُجيد لغة الإدارة مثلما تُجيد لغة العطاء، توازن بين حضورها المهني، ودورها كأم وزوجة، وصاحبة رؤية مجتمعية عميقة.
هي ابنة المدرسة الوطنية الأردنية، التي ترى في الخدمة العامة شرفًا لا وظيفة، وفي الوطن قضية لا جغرافيا. مدرسة تؤمن بأن الإصلاح يبدأ من المؤسسات، ومن النفوس الصادقة، والضمائر الحية.
نعم، ناديا عبدالرؤوف الروابدة ليست مجرد اسم مرّ في الحكومات، بل هي سيرة عطرة تتحدث عن سيدة بنت نفسها بنفسها، ورفعت اسمها بمزيج من الهدوء والإنجاز، بعيدًا عن الصخب، لكنها تركت أثرًا لا يُمحى في جسد الدولة الأردنية الحديثة.