الملكاوي يكتب :”عصيان أم حصان طروادة؟”

منذ 48 دقيقة
الملكاوي يكتب :”عصيان أم حصان طروادة؟”

وطنا اليوم – بقلم محمد ملكاوي

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتشتبك فيه الأصوات بين الحق والباطل، يظهر على السطح اليوم ما يُعرف بـ”العصيان المدني”، والذي بدأ يتخذ طابعًا أقرب للفتنة منه للاحتجاج المشروع.

 

وبينما يحقّ لكل شعب أن يرفع صوته حين يُظلَم فإن ما نراه اليوم في الأردن لا يخلو من تساؤلات مشروعة: من يقف وراء هذه الدعوات المشيوهة ؟ وما الهدف الحقيقي منها؟

 

فالعصيان المدني لم يكن يومًا لعبة بأيدي العابثين، فهل سينجحون في استغلال عواطف الأردنيين تجاه القضية الفلسطينية؟ وهل يراهنون على وعي الشعب الأردني الذي أثبت عبر تاريخه أن العصيان المدني كان سلاح الشعوب الواعية تُشهره عندما تُسدّ كل السبل ويصبح الصمت خيانة؟ لكن ما يحدث الآن من تحشيد عاطفي ونداءات مبطّنة بشعارات كبرى دون أهداف واضحة، يدفعنا للتساؤل: هل هذا عصيان وطني نقي أم فتنة تُدار من خلف الستار؟

 

وهنا يُترك السؤال أمام كل أردني حر: من يدعو ومن يموّل؟ الدعوات المتناثرة على وسائل التواصل دون قيادة واضحة أو مسؤولية معلنة، تفتح الباب أمام الشكوك حول مساعي هذه الابواق الرنانة التي تدعي للعصيان المدني دون ان نرى مطالب واضحة، ولا جدولًا للحقوق بل مجرد حشد غاضب بلا اتجاه ولا حتى صورة واضحة لمن يحرّك هذه الموجات، ومن يستفيد من زعزعة أمن واستقرار الوطن في لحظة إقليمية حرجة وملتهبة؟

 

لطالما كانت الأردن بكل مكوناتها ومؤسساتها الداعم الأول للقضية الفلسطينية، لكننا لن نقبل أن تُستغل عواطفنا لتسييس الغضب الشعبي، فنحن شعب له تاريخ في رفع الصوت بالحق، لكننا أيضًا ندرك أن الفوضى لا تصنع التغيير بل تستنزف ما تبقى من كرامة وطن ومن أراد أن يحتج فليكن واضحًا سلميًا ومسؤولًا وليضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار.

 

أما أولئك الذين يختبئون خلف شعارات دينية أو قومية، ويحملون في قلوبهم الحقد واللؤم تجاه وطننا العزيز ومقدّراته، فإنهم لا يقلّون خطرًا عمّن يحتلون الأرض في وضح النهار.

 

وهنا اقولها وبصوت عال الفتنة نائمة، فلعنة الله على من أيقظها ومن يحاول ان يشعل نارها في هذه اللحظة العصيبة التي تمر بها البلاد سياسيآ واقتصاديآ لا بارك الله فيه  ، فنحن لا نحتاج إلى ثورة غاضبة لا تعرف وجهتها، بل نحتاج إلى وعي جمعي يحمي البلد من الوقوع في فخ الفوضى .

 

لطالما راهن العابثين على وعي شعبنا فلا تسمحوا لأحد أن يسرق صوتكم ليحوّله إلى نار تحرق بيوتكم فالوطن ليس لعبة، وليس حلبة لتصفية حسابات داخلية أو خارجية فمن كان يرفض رفع راية بلاده، كيف له أن يحرص على ثراها الطيب وسلم اهلها فالتاريخ علّمنا أن أعداء الأوطان لا يطرقون الأبواب وهم يحملون رايات العداء، بل يتسللون بأقنعة الدعم والمظلومية وما أسهل أن تُستغل القضايا العادلة لتُدار بها معارك غير نزيهة على أرض بريئة علينا أن نميّز جيدًا بين من يُريد إنصاف قضية، ومن يُريد استغلالها لتمزيق الصف الوطني.

 

فهل ما نشهده اليوم من دعوات للعصيان هو فعل وطني نقي، أم أنه حصان طروادة جديد يُدفع به إلى الساحة الأردنية تحت غطاء التضامن والشعارات، فيما يُخفي في أحشائه أجندات خبيثة تهدف لإضعاف الدولة وزعزعة أمنها؟