ما أكثر الصحفيين وما أقل الصحافة!

1 أبريل 2025
ما أكثر الصحفيين وما أقل الصحافة!

بقلم: عوني الرجوب

في زمنٍ كانت فيه الصحافة ترتقي إلى مصافِّ المهن النبيلة، لم يكن يُعتبر من يحمل القلم صحفيًا إلا إذا كان يفهم اللغة العربية وأصول النحو وصياغة الخبر وبمصداقيةٍ متناهية، وكتابة المقال بما يمليه عليه ضميره لمعالجة واقع الحال بشفافيةٍ ونزاهةٍ وحيادية.

وكانت الصحافة رسالةً ساميةً تتطلب جرأةً في الطرح ومصداقيةً في نقل الحقيقة. كنا نرى الصحفي الحقيقي فيمن يتسلح بثقافةٍ واسعة، ولغةٍ سليمة، وفكرٍ نقديٍّ يزن الكلمة قبل نشرها.

عندما كانت الصحافة ذات هيبةٍ ووقار، كان الصحفيون يحملون درجات البكالوريوس في القانون أو التاريخ أو اللغة الإنجليزية، أو حتى البعض منهم لم يكن يحمل أكثر من شهادة الثانوية العامة، لكنهم بالفعل كانوا صحفيين متمرسين، وكتّاب أعمدة، نتيجة فكرهم السياسي والاقتصادي ونهجهم القومي والإسلامي، وثقافتهم الواسعه وكانت أسماؤهم رنانة، ومحتوى مقالاتهم موزونًا لغويًا ومضمونًا ومعنى ذا قيمة.

كنا صحفيين وإعلاميين في عهد محمود الكايد محمود الشريف سلامة عكور سلطان الحطاب محمد داوودية هاني العدوان غالب الحديدي جبر حجات سوسن تفاحة فخري عكور إبراهيم شهزاده وغيرهم، بالفعل في ذلك العهد كانت الصحافة صحافة، والإعلام إعلامًا، ترتجف منه الأبدان.من هيبة الصحفيين والإعلاميين

كنا نخشى أن يُجرَّم قلمنا من كلمة قد نُنتقَد عليها، لذلك كنا صحفيين وإعلاميين مبدعين. عندما كنا نعمل في الصحف اليومية، كان مقص الرقيب يلاحقنا على كل كلمة غير موزونة أو في غير موضعها اللائق. كانت الصحافة هيبةً ووقارًا، وعندما يدخل الصحفي مكتب أي مسؤولٍ أو وزيرٍ لإجراء مقابلةٍ صحفية، كان المسؤول يستقبله على باب مكتبه، وطاقم الوزارة أو المؤسسة يرتعش، وكأن الصحفي ليس مجرد كاتبٍ، بل محققٌ من محكمة أمن الدولة، من شدة خوف المسؤول أن يجد الصحفي عنده نقصًا أو عيبًا في وزارته أو مؤسسته.

لماذا؟ لأن الصحفي كان يكتب الحقيقة، ويتقصى الحقائق أينما كانت، ويبحث عن الخلل ويطلب تصحيحه. هكذا كان الأمر، الصحفيون كانوا محدودي العدد، لكن صحفهم كانت تجوب العالم، وفحواها على قدر عالٍ من المصداقية والمهنية الصحفية.

ونشيد بدور نقابة الصحفيين ممثلة بالنقيب راكان السعايده واعضاء النقابه على جهودهم المتميزه. في ملاحقة من يعبث بمهنة الصحافة او الإعلام وان يشددوا رقابتهم على كل مادة تخرج من اي صحفي ان كانت غير موزونه ولا ترتبط بقواعد اللغة والسلوك واعتقد هيئة الاعلام ايضا الممثله بعطوفة الاخ بشير المومني لها دور ايضا مهم بهذا الموضوع

أما اليوم، فقد كثر الصحفيون وقلت الصحافة، وكثرت المواقع الإلكترونية، والكثير منها يحترم نفسه وموقعه أو صحيفته أو قناته وله قيمته المهنية، إلا أن بعضها – ولا أعمم – يعتبر أن موقعه الإلكتروني كأنه إذاعة “صوت العرب” أو “مونت كارلو” في زمانها، أو جريدة “الحياة” اللندنية.

بعض من يمتهنون كلمة الصحافة ويستغلونها لا يعرفون من الصحافة إلا اسمها، ولا يستطيع بعضهم أن يصيغ جملةً مفيدةً، أو يُعرب كلمة، أو يعرف قواعد النحو. كثرت المواقع وكثر الصحفيون، وكثر كلام بعضهم دون فائدة.

أتابع بعض الصحفيين والإعلاميين فأشعر كأنهم مذيعو في مسلسل “باب الحارة”، أو كتّاب دفاتر ديونٍ على أبواب الدكاكين. نحن نريد صحفيين أحرارًا، أصحاب أقلامٍ حرة، ينقلون الكلمة بمصداقية، ويصبغون الخبر بحرفيةٍ تامة.

الصحافة والإعلام مهنة المتاعب، والمهنة النبيلة، والسلطة الرابعة، ولا نقبل أن يكون أداء بعض صحفييها ضعيفًا. فالتعلم أساس المهنة،
والصحافة مرآة أي مؤسسة، وتعبر عن قيمتها ومصداقيتها.

لذلك، أرى أن الصحافة اليوم قد اختُصرت على المواقع الإلكترونية، التي – رغم كثرتها – فإن كثيرًا منها تحترم نفسها، وتمتاز بمهنيةٍ صحفيةٍ فائقة الوصف. ترفع لها القبعات.

ما نريده اليوم هو صحافةٌ حقيقيةٌ، لا صحافة “ما هبّ ودب”، ولا مقالاتٌ فارغةٌ لا مُحضّرٌ ولا مُنظَّر، على رأي جدتي،
فقط ليُقال إن فلانًا كاتبا وفلانًا صحفي،
ونسمع جعجعةً ولا نرى طِحنًا.

ما هكذا تورد الإبل