بقلم: . عوني الرجوب
في عالم اختلت فيه الموازين، لم يعد الإنسان هو الأولوية، ولم تعد كرامته مصانة كما يدّعي من يتشدقون بحقوق الإنسان. ، يُثار الرأي العام لأن رجلًا أطلق النار على كلبٍ عضّ ابنه، فتُحشد الجمعيات الحقوقية، وتُفتح التحقيقات، وتُطالب بأقصى العقوبات لهذا “المجرم” الذي تجرأ على المساس بحيوان!
لكن ماذا لو كان المشهد معكوسًا؟ ماذا لو أن هذا الطفل نفسه قد افترسته الكلاب الضالة؟ هل كنا سنرى نفس الغضب الإعلامي؟ هل كانت ستُرفع قضايا لمحاسبة الكلاب أو الجهات المسؤولة عن انتشارها؟ بالطبع لا. فالإنسان لم يعد أولوية، وحقوقه تُمنح بانتقائية تخضع للمصالح لا للمبادئ.
ازدواجية فاضحة: الإنسان بلا حقوق!
حين تُسحق الشعوب تحت نيران القذائف، أو تنهار البيوت فوق رؤوس ساكنيها، تصمت منظمات حقوق الإنسان فجأة. لا أحد يطالب بمحاكمة الجناة، ولا أحد يبحث عن العدالة للضحايا. بل على العكس، نجد العالم يبرر الجرائم، ويبحث عن أعذار لمرتكبيها، لأن ميزان الحقوق يميل حيثما تميل المصالح.
أين هي تلك المبادئ عندما يُباد شعبٌ بأكمله أمام أعين العالم؟ أين حقوق الأطفال الذين تُنزع أرواحهم بصواريخ الاحتلال؟ أين حقوق الأمهات اللواتي يحتضنَّ أشلاء فلذات أكبادهن؟ ولماذا يصبح القتلى مجرد “أضرار جانبية” حين يكون المعتدي مدعومًا من القوى الكبرى؟ صاحبة حقوق الإنسان ما يدعون
، تقوم الدنيا ولا تقعد لأجل حيوان، لكن حين تُباد الشعوب، يُطلب من الضحايا أن يصمتوا، وإن دافعوا عن أنفسهم أصبحوا “إرهابيين”. أي قانون هذا الذي يحاسب من يقتل كلبًا، لكنه يعجز عن محاكمة من يقتل أمةً بأكملها؟
حين تصبح الرحمة انتقائية… تسقط الأقنعة!
إن كانت حقوق الإنسان تُمنح حسب العرق والهوية والانتماء السياسي، فلا معنى لكل تلك المواثيق التي يتغنون بها. إن كانت العدالة تُطبق فقط على الضعفاء بينما يظل الأقوياء بمنأى عن العقاب، فالعالم كله غارق في النفاق.
لا أحد يُنكر أن الرفق بالحيوان مبدأ ديني إنساني وأخلاقي، لكن أن يُقدَّم الحيوان على الإنسان، فهذه قمة العبث. أن تمتلئ المحاكم بقضايا ضد من أساء لحيوان، بينما لا تجد قضية واحدة لإنصاف الشعوب المنكوبة، فهذا يدعو إلى السخرية والحزن معًا.
لسنا ضد الرحمة بالحيوان، لكننا نطالب بأن يكون للإنسان كرامةٌ وحقوق، على الأقل مثل تلك التي تُمنح للحيوان في هذا العصر الغريب. والعجيب !
العدالة لا تُوزَّع حسب المصالح
العدالة الحقيقية لا تتجزأ، ولا تُوزَّع وفق الهوية. القاتل يبقى قاتلًا، والمجرم يبقى مجرمًا، مهما حاول الإعلام تبريره، ومهما حاول العالم تلميع صورته. لكننا اليوم نعيش في زمن يفرض فيه القوي روايته، بينما تُمنع الضحية حتى من الصراخ. وإن تجرأت على المقاومة، وُصمت بالإرهاب وأُدينت بدلًا من جلادها.
إلى كل من يرفع شعارات حقوق الإنسان والعدالة، نقول: نفاقكم جريمة. صمتكم مشاركة في سفك الدماء. انحيازكم للجلاد وترككم الضحايا تحت القصف والدمار لن يُمحى من ذاكرة التاريخ.
قد تنجحون في تزييف الحقائق لبعض الوقت، لكن دماء الأبرياء ستظل لعنة تطاردكم إلى الأبد. فالعدالة التي لا تشمل الجميع ليست عدالة، والحقوق التي تُمنح للبعض وتُسلب من آخرين ليست حقوقًا، بل أدوات لخدمة مصالحكم القذرة.
أين هي حقوق الشعوب التي تُباد؟ أين حق المقهورين في الدفاع عن أنفسهم؟
اين حقوق الإنسان عندما لا تمتثل إسرائيل لمحكمة العدل الدوليه فعن أي حقوق تتحدثون؟
عن حقوق المثليين أم عن امتيازات أصحاب الدم الأزرق؟
لا حق يعلو فوق حق المقاومة، ولا كرامة تُمنح إلا لمن ينتزعها.
أصبح للكلب حقوق، بينما حقوق الإنسان نصيب من الموت أو السجون… فأي عالم هذا الذي نعيش فيه؟