وطنا اليوم – خاص- مع تصاعد الحديث عن نوايا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيال المنطقة، وطرح أفكار تتعلق بترحيل الفلسطينيين من وطنهم في غزة والضفة الغربية، يواجه الأردن تحديات مصيرية تستوجب تعزيز العمل المؤسسي، وترسيخ سيادة القانون، وتكريس العدالة كأدوات أساسية لمواجهة أي مشاريع تهدف إلى تغيير المعادلة الديموغرافية والسياسية في المنطقة.
مخطط التهجير: التحدي الأكثر خطورة تكشف التسريبات الأخيرة عن مقترحات أمريكية تدعو إلى إعادة تشكيل الخارطة السكانية للفلسطينيين، إما عبر تصفية قضية اللاجئين من خلال إعادة توطينهم، أو بفرض تغييرات جذرية على الواقع الجغرافي والديموغرافي في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذه السيناريوهات ليست وليدة اللحظة، بل تمثل امتداداً لمحاولات سابقة هدفت إلى تصفية القضية الفلسطينية من بوابة “الحلول الاقتصادية” على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق، يقف الأردن بقيادة الملك عبدالله في مواجهة مباشرة مع هذه المخططات، نظراً لدوره المحوري في القضية الفلسطينية، سواء من خلال الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس أو موقعه الجيوسياسي الذي يجعله طرفاً أساسياً في أي ترتيبات إقليمية قادمة. ومن هنا، تصبح مواجهة مشاريع التهجير مسؤولية وطنية تتطلب استراتيجيات عميقة ومستدامة.
تحصين الجبهة الداخلية.. لا يمكن لأي دولة أن تواجه التحديات الخارجية دون تحصين جبهتها الداخلية، وهذا لا يتحقق إلا عبر تعزيز سيادة القانون وترسيخ العدالة الاجتماعية. فالتحديات الخارجية غالباً ما تستغل الثغرات الداخلية، وبالتالي فإن أي اختلال في ميزان العدالة، أو تراجع في ثقة المواطن بالمؤسسات، يشكل بيئة خصبة للاختراقات السياسية والاقتصادية.
من هنا، يصبح تعزيز دولة القانون أولوية لا تقبل التأجيل، من خلال.. تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد لضمان كفاءة المؤسسات وقدرتها على مواجهة التحديات بصلابة.إن القوة الحقيقية للدولة لا تكمن فقط في قدراتها العسكرية أو الاقتصادية، بل في صلابة مؤسساتها وثقة المواطن بها، وهذا ما يجب أن يكون في صلب الاستراتيجية الأردنية في مواجهة أي مخططات تستهدف الاستقرار الوطني.
إن التعامل مع التحديات المتغيرة في المنطقة يستدعي عدم الاكتفاء بردود الفعل الآنية، بل يتطلب بناء رؤية استراتيجية قائمة على العمل المؤسسي المنظم. والأردن مطالب اليوم بتعزيز أدواته المؤسسية عبر:
إعادة هيكلة السياسات العامة بحيث تكون قادرة على التكيف مع التطورات الإقليمية والدولية وإشراك الخبراء والمختصين في صناعة القرار لضمان استناد السياسات إلى دراسات دقيقة وليس مجرد استجابات لحظية،وتعزيز التنسيق بين المؤسسات السيادية والاقتصادية والأمنية لضمان وحدة الرؤية في مواجهة أي تهديدات محتملة.
إن ترسيخ العمل المؤسسي لا يهدف فقط إلى تحسين الأداء الحكومي، بل هو أداة لمواجهة المشاريع الخارجية التي تعتمد على اختراق الدول الضعيفة والارتجالية.
وفي إطار التحركات الأردنية بقيادة الملك فإن الأردن لن يخوض هذه المواجهة بمعزل عن محيطه العربي والدولي. لذلك، لا بد من تكثيف الجهود الدبلوماسية لإعادة تشكيل التحالفات، بحيث لا يكون الأردن في موقف المتلقي للضغوط، بل شريكاً فاعلاً في صياغة المشهد الإقليمي، وهذا ما أعلنه الملك بوضوح اثناء لقائه ترامب في البيت الأبيض
إن تعزيز العلاقات مع القوى الدولية المؤثرة، مثل الاتحاد الأوروبي والصين، لموازنة أي تغيرات قد تطرأ على الموقف الأمريكي، وتفعيل الدبلوماسية العربية لحشد موقف موحد في مواجهة أي محاولة لفرض حلول قسرية على المنطقة، واستخدام القانون الدولي كأداة دفاعية في المحافل الدولية ضد أي مخططات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم سيخفف الغوط الامريكية ويعطي فرصة لالتقاط الانفاس والالتفاف على المخطط المشئوم، للرئيس ترامب
تواجهه المنطقة اليوم ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل لحظة مفصلية في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، تتطلب من الأردن أن يكون أكثر صلابة، وأكثر وعياً بطبيعة التحديات، وأكثر استعداداً لتعزيز قوته الداخلية وموقعه الإقليمي.
إن العمل المؤسسي ، والتحرك الدبلوماسي الفاعل ليست مجرد شعارات، بل أدوات استراتيجية لمواجهة أي مشروع يهدف إلى فرض واقع جديد على حساب الحقوق المشروعة للشعوب. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج الأردن إلى استراتيجية متكاملة تحمي مصالحه الوطنية، وتعزز موقعه كركيزة للاستقرار في المنطقة، وتحافظ على هويته ودوره التاريخي في الدفاع عن فلسطين