ضعف الأحزاب السياسية في الأردن وانعكاسه على منظومة التحديث السياسي

9 فبراير 2025
ضعف الأحزاب السياسية في الأردن وانعكاسه على منظومة التحديث السياسي

وطنا اليوم-خاص- يُعد ضعف الأحزاب السياسية في الأردن أحد أبرز التحديات التي تواجه مشروع التحديث السياسي، وهو المشروع الذي أكّد جلالة الملك عبدالله الثاني على أهميته باعتباره ركيزة أساسية في بناء مستقبل ديمقراطي حديث. فقد شدد جلالته في أكثر من مناسبة على أن الأحزاب القوية والقادرة على تمثيل الشارع بفاعلية هي مفتاح نجاح الإصلاحات السياسية، مشيرًا إلى أن التحديث لا يمكن أن ينجح دون وجود أحزاب تحمل برامج حقيقية وتستقطب الشباب وتعمل بجدية من أجل خدمة الوطن والمواطن.

رغم الجهود المبذولة لتعزيز الحياة الحزبية من خلال تعديلات تشريعية وإجراءات حكومية تستهدف تطوير العمل الحزبي، إلا أن الأحزاب الأردنية لا تزال تعاني من ضعف بنيوي يحد من قدرتها على التأثير السياسي. غياب الهوية الأيديولوجية الواضحة جعل العديد من الأحزاب أقرب إلى تجمعات نخبوية لا تمتلك قاعدة جماهيرية حقيقية، مما أدى إلى عزوف الشارع عنها وعدم ثقته بقدرتها على إحداث تغيير ملموس. كما أن التعدد الكبير في عدد الأحزاب، والذي يتجاوز خمسين حزبًا، زاد من حالة التشرذم السياسي، حيث تفتقر معظم هذه الأحزاب إلى الحضور الفاعل في الحياة العامة، ما يجعلها عاجزة عن لعب دور حقيقي في تشكيل المشهد السياسي.

انعكاسات هذا الضعف على التحديث السياسي واضحة وجلية. فالانتقال نحو الحكومات البرلمانية، الذي يمثل أحد الأهداف الرئيسة للإصلاح السياسي، يتطلب وجود أحزاب قوية تمتلك القدرة على تشكيل كتل برلمانية مؤثرة، وهو ما لا يتوفر حاليًا. ضعف الأحزاب أدى أيضًا إلى استمرار هيمنة المال السياسي والعشائرية في الانتخابات، حيث بات الناخب يفضل التصويت للمرشحين المستقلين أو وفق اعتبارات اجتماعية، بدلاً من دعم الأحزاب التي لم تقدم بديلًا سياسيًا مقنعًا. كما أن غياب الأحزاب القوية أسهم في تراجع مشاركة الشباب في العمل السياسي، إذ لا يجدون في هذه الأحزاب مساحة تعبر عن تطلعاتهم أو تقدم حلولًا حقيقية لمشاكلهم.

الملك عبدالله الثاني أكد في أكثر من مناسبة أن التحديث السياسي لا يمكن أن ينجح دون تطوير الحياة الحزبية وتعزيز ثقافة العمل الجماعي، وهو ما يتطلب من الأحزاب العمل بجدية على تقديم برامج سياسية واقتصادية واضحة بدلاً من الاكتفاء بالشعارات. الدولة قامت بخطوات تشريعية لدعم الأحزاب، مثل التعديلات على قانون الأحزاب التي تضمن حرية الانتماء الحزبي للطلاب في الجامعات، لكن هذه التعديلات تبقى بلا أثر حقيقي ما لم تتمكن الأحزاب نفسها من إعادة بناء الثقة بينها وبين المجتمع.

الحل يكمن في إعادة هيكلة المشهد الحزبي بحيث يتم تقليل عدد الأحزاب عبر عمليات اندماج تخلق كيانات سياسية أكثر قوة وتأثيرًا. كما أن هناك حاجة لتعزيز دور الأحزاب في استقطاب الشباب وتقديم برامج عملية تعالج القضايا الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من البقاء في دائرة الخطاب النظري. البيئة القانونية تحتاج أيضًا إلى مزيد من التطوير لضمان عدم وجود أي معوقات تحد من حرية العمل الحزبي.

إن ضعف الأحزاب السياسية ليس مجرد مشكلة حزبية، بل هو عائق أمام أي عملية إصلاح سياسي حقيقية. التحديث السياسي الذي ينشده الأردن لن يتحقق إلا إذا نجحت الأحزاب في بناء قاعدة شعبية حقيقية، وأصبحت قادرة على المنافسة في الانتخابات، والمشاركة بفعالية في صناعة القرار. التحدي اليوم ليس فقط في تعديل القوانين، بل في تغيير الثقافة السياسية وتعزيز ثقة المواطن بالأحزاب كأدوات حقيقية للتغيير. بدون ذلك، ستظل الأحزاب مجرد كيانات شكلية غير قادرة على قيادة المرحلة المقبلة، وستبقى الحياة السياسية تدور في دائرة مغلقة من الضعف والتراجع.